24 ساعة-أسماء خيندوف
تشهد الموانئ الإفريقية تحولا استراتيجيا يجعلها في قلب إعادة تشكيل التدفقات التجارية العالمية، في مؤشر واضح على تزايد دور القارة في الاقتصاد الدولي. و نجد موانئ حيوية، بدءا من الناظور والداخلة في المغرب وصولا إلى نواذيبو، داكار، تيما، لاغوس، وجيبوتي، حيث لم تعد تقتصر على كونها بوابات عبور نحو الأسواق العالمية، بل أصبحت ركيزة أساسية للتكامل الإقليمي ومحفزا للتنمية الاقتصادية داخل القارة.
وفي هذا الإطار سلطت جريدة “فينانشيال أفريك”، في مقال مطول، الضوء على الأهمية المتزايدة للموانئ الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، و التحديات التي تواجهها، وكذا إمكاناتها في إعادة تعريف موقع القارة في النظام الاقتصادي العالمي.
الموانئ الإفريقية.. تحول استراتيجي في التجارة العالمية
أصبحت الموانئ الإفريقية، بشكل سريع، من اللاعبين الرئيسيين في شبكة التوريد العالمية. بفضل سواحلها التي تمتد لأكثر من 30,000 كيلومتر وارتباطها بمسارات بحرية استراتيجية، و تربط موانئ القارة بين أوروبا، الأمريكيتين، الشرق الأوسط وآسيا. كما تلعب موانئ مثل طنجة المتوسط، ديربان، دار السلام، مومباسا وجيبوتي أدوارا حيوية في حركة التجارة العالمية، حيث تعد مراكز رئيسية لتصدير المواد الخام واستيراد السلع الاستهلاكية والمعدات الصناعية.
وفي الوقت نفسه، تبرز موانئ مثل الناظور، الداخلة، داكار، تيما وأبيدجان كمحاور أساسية للتجارة الإقليمية والعابرة للقارات، في ظل النمو السكاني المتسارع والتوسع الحضري الذي تشهده إفريقيا.
التكامل الإقليمي وتيسير التجارة
تسعى موانئ مثل ميناء الداخلة إلى ربط الدول الحبيسة مثل مالي، النيجر، وبوركينا فاسو بالأسواق الدولية من خلال ممرات تجارية فعّالة. و تساهم هذه الممرات في خفض تكاليف النقل وتعزيز تنافسية الصادرات.
كما تعزز منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAF) دور الموانئ كأداة ميسرة للتجارة البينية الإفريقية. حيث تعتبر موانئ مثل تيما ولاغوس محورية لحركة البضائع في غرب إفريقيا، مما يقلل الاعتماد على الشركاء التجاريين من خارج القارة.
الأهمية الجيوسياسية و التنوع الإقتصادي
تقع موانئ مثل جيبوتي ومومباسا بالقرب من طرق بحرية استراتيجية عالمية، مثل مضيق باب المندب، مما يجعلها نقاط ارتكاز حيوية لتأمين سلاسل الإمداد وتقليل المخاطر الناجمة عن اضطرابات التجارة العالمية.
و يعكس تطوير ميناء الداخلة من قبل المغرب رؤيته الاستراتيجية في التموقع كحلقة وصل بين إفريقيا، أوروبا، والأمريكتين.
و لم تعد الموانئ تقتصر على التعامل مع البضائع فقط، بل تحولت إلى منظومات اقتصادية متكاملة تدعم التصنيع، والخدمات اللوجستية، والأنشطة ذات القيمة المضافة. على سبيل المثال، تضم موانئ الناظور وطنجة المتوسط مناطق صناعية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
التعاون العربي الإفريقي ودور المؤسسات المالية في دعم تطوير الموانئ الإفريقية
يشكل التعاون بين الدول العربية والإفريقية، مدعوما بالمؤسسات المالية الإقليمية مثل البنك العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا (BADEA)، والبنك الإفريقي للتنمية (BAD)، وأفريكسيم بنك، والبنك الإسلامي للتنمية، وعدد من المؤسسات الأخرى، عنصرا أساسيا في دعم تطوير الموانئ الإفريقية وتحقيق التكامل الاقتصادي. حيث يساهم هذا التعاون في تعزيز البنية التحتية للموانئ وتحفيز التنمية المستدامة، مما يفتح آفاقا جديدة لإفريقيا من خلال عدة مبادرات استراتيجية في مجالات التمويل، التجارة، الاستدامة، والتكنولوجيا.
و بحسب تحليل صاحب المقال، فإن البنية التحتية للموانئ الإفريقية تعد من أبرز المجالات التي يمكن أن تساهم فيها المؤسسات المالية الإقليمية. حيث يمكن لهذه المؤسسات تعبئة الموارد اللازمة لتحديث وتوسيع قدرات الموانئ عبر توفير تمويلات ميسرة مثل القروض التفضيلية والتمويل المختلط. على سبيل المثال، يمكن للبنك العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا (BADEA) والبنك الإفريقي للتنمية (BAD) تمويل مشاريع تطوير الموانئ مثل بناء محطات متخصصة للحاويات والبضائع السائبة، بالإضافة إلى تحسين وسائل النقل متعدد الوسائط.
علاوة على ذلك، تتيح آليات التمويل المشترك بين المؤسسات العربية والإفريقية، مثل أفريكسيم بنك وBOAD، دعم مشاريع موانئ ضخمة تهدف إلى تعزيز الربط بين دول القارة، مما يساهم في تعزيز التبادل التجاري الإقليمي. وفي هذا الإطار، يمكن للمؤسسات المالية أيضا استكشاف طرق تمويل مبتكرة مثل السندات الخضراء، التي تستخدم لتطوير موانئ صديقة للبيئة، مما يعكس التزاما حقيقيا نحو الاستدامة.
تعزيز الشراكات التجارية واللوجستية و الاعتماد حلول مستدامة ومرنة
يعد تعزيز الشراكات التجارية واللوجستية بين الموانئ الإفريقية جزءا أساسيا من جهود التكامل الإقليمي. و يمكن للمؤسسات المالية، بالتعاون مع الحكومات، دعم تطوير البنية التحتية اللوجستية مثل مناطق التخزين ومنصات التصدير التي تساهم في تحسين كفاءة الموانئ وتقليل زمن الانتظار. إضافة إلى إمكانية تعزيز ممرات التجارة، مثل ممر داكار-باماكو، من خلال دعم مشاريع التمويل من قبل البنك الإفريقي للتنمية (BAD) وBOAD، مما يعزز حركة البضائع داخل القارة.
كما أن التوحيد الجمركي بين الموانئ الإفريقية سيساهم في تبسيط الإجراءات وتقليل العقبات التي تواجه التجارة عبر القارة. و في هذا السياق، يمكن للمؤسسات المالية العربية والإفريقية العمل معا لتنظيم وتنفيذ مبادرات مشتركة تدعم التكامل الاقتصادي وتحفز التجارة بين الدول.
و في ظل التحديات البيئية المتزايدة، يعد الاستثمار في حلول مستدامة أمرا ضروريا. حيث يمكن للمؤسسات المالية الإقليمية دعم المشاريع التي تسهم في تقليل الأثر البيئي للموانئ، مثل تمويل إنشاء موانئ خضراء تعتمد على الطاقة المتجددة وتقنيات منخفضة الانبعاثات الكربونية. كما أن تمويل مشاريع مرونة المناخ، مثل حماية الموانئ من آثار التغير المناخي، يشكل خطوة مهمة في تعزيز استدامة البنية التحتية البحرية الإفريقية.
وخلصت الجريدة، بأن تعزيز التعاون العربي الإفريقي ودعم المؤسسات المالية الإقليمية يعد من العوامل الأساسية لتطوير الموانئ الإفريقية. من خلال التمويلات المبتكرة، دعم الشراكات التجارية واللوجستية، تطوير القدرات التقنية، وتنفيذ حلول بيئية مستدامة، يمكن لهذه المؤسسات أن تساهم بشكل كبير في تعزيز البنية التحتية للموانئ الإفريقية، مما يساهظ في تحقيق التكامل الاقتصادي داخل القارة وخارجها.