في أي اتجاه ستذهب موريتانيا، وهي تقف حاليا في مفترق طرق يصعب تحديد ملامحها الآن؟ فمنذ أن اقترح الرئيس محمد ولد عبد العزيز حزمة تعديلاته الدستورية التي رفضها الناخبون، بدا أن الأمر لم يعد متعلقا بالشغب السياسي المتبادَل بين السلطة والمعارضة، ولكنه يذهب أبعد من ذلك لتكريس قطيعة نهائية مع بعض فصول التاريخ السياسي للبلاد. والشاهد أن الرهان على تغيير العلم والنشيد الوطنيين لا يعبّر عن رغبة في المكايدة السياسية بقدر ما يندرج في سياق إعادة النظر في مجمل دلالات الهوية الموريتانية. ولأن ما يريده محمد ولد عبد العزيز هو موريتانيا بهوية مغايرة تعيد رسم ارتباطاتها وتوجهاتها وعلاقاتها بالآخرين، توجست المعارضة من نوايا الرئيس الذي يسعى إلى ربط اسمه وذكراه بما يفترض أن يصبح إعلان استقلال جديد للبلاد.
وكما يحدث عادة في سياقاتنا العربية المأزومة، تحولت التعديلات الدستورية المقترحة من أرضية مفترضة لحوار وطني معمق إلى ساحة تراشق بالتهم وتجاوزات عينية من العيار الثقيل. فمقابل اتهام بعض رجال الأعمال بتمويل أنشطة تهدف إلى زعزعة الاستقرار، ردت المعارضة بوصف رد فعل السلطة بكونه انزلاقا سلطويا خطيرا تميز بخنق الحريات الجماعية والفردية وانتهاك الحقوق الدستورية وعودة البوليس السياسي.
ورغم أن إعادة النظر في هوية الجارة الجنوبية تظل شأنا خاصا لا يعني غير الموريتانيين، فإن توجيه تهمة “زعزعة الاستقرار” لرجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، المقيم بالمغرب، يطرح أسئلة جوهرية حول ستقبل العلاقات المغربية -الموريتانية في ضوء الصراع الهوياتي الذي يدور الآن في جوارنا الجنوبي؟
إن القول إن المغرب ليس معنيا بالشأن الموريتاني الداخلي لا يعدو أن يكون محاولة لادّعاء طهرانية سياسية مكشوفة. وبالمثل، فإن اتهام المغرب بتزكية ودعم معارضين يستهدفون زعزعة استقرار موريتانيا يظل تهمة ثقيلة تعوزها الأدلة والحجج والبراهين القاطعة.
وفي كل الأحوال، سيظل ما يقع في موريتانيا “شأنا مغربيا” بقوة التاريخ المشترك وإكراهات الجغرافيا السياسية، ما يضع المغرب في احدى حالتين: إما أن يدفع جزءا من فاتورة الصراع وإما أن يجني ثمار جوار رشيد وعقلاني يسترشد بوعود المستقبل المشترك.
من هنا يكتسب التساؤل عن وجهة موريتانيا أهميته القصوى. ففي راهن الحال، ثمة مؤشرات على أن موريتانيا بصدد إعادة النظر في علاقاتها المغاربية والعربية لصالح ارتباطاتها العضوية بـ”تجمع الساحل،” بمكوناته الإفريقية الصرفة. وبالطبع، فان المغرب العائد إلى جذوره الإفريقية لا يملك إلا أن يبارك مثل هذا التوجه، ما لم يكن مبرمجا لمعاكسة طموحاته القارية المشروعة.
إن طبيعة العلاقات المغربية -الموريتانية، بامتداداتها التاريخية وركائزها الجيوسياسية الحساسة، لا تسمح بالمغامرة بطرح افتراضات عشوائية حول مآل الصراع الذي يحتدم الآن في جارتنا الجنوبية. ولعل أقصى ما يمكن أن نأمله هو أن تستقر أوضاع مويتانيا وأن يسلك التدافع بين السلطة والمعارضة مساره الطبيعي لأن أمن المغرب هو، بالتعريف والضرورة، من أمن جميع دول الجوار.