دعا البابا فرنسيس والملك المغربي محمد السادس إلى الحفاظ على القدس “تراثاً مشتركاً” للديانات التوحيدية الثلاث، وذلك في وثيقة مشتركة وقعا عليها السبت في الرباط.
وقال النداء “نعتقد أنه من المهم الحفاظ على مدينة القدس الشريف ثراثاً إنسانياً مشتركاً، وخصوصا لأتباع الديانات التوحيدية الثلاث”، داعياً إلى حماية “الطابع الخاص المتعدد الأديان والبعد الروحي والهوية الثقافية الخاصة للقدس”.
وخلال زيارة رسمية إلى المغرب، بدأها البابا السبت 30 مارس (آذار) وتستمرّ ليومين، بدعوة من الملك الذي كان في مقدّمة مستقبليه أسفل سلم الطائرة في مطار الرباط سلا، قال رئيس الكنيسة الكاثوليكية إنّ “قضية الهجرة لن تحلّ من خلال إقامة حواجز أو إثارة الخوف من الآخرين أو وقف مساعدة من يطمحون بشكل مشروع لحياة أفضل لهم ولأسرهم”.
و أضاف “نعرف أيضاً أن تعزيز السلام الحقيقي يأتي من خلال تطبيق العدالة الاجتماعية التي لا غنى عنها لتصحيح الخلل الاقتصادي والقلاقل السياسية التي تلعب دائماً دوراً رئيسياً في إثارة الصراعات وتهديد البشرية كلها”.
وعبّر البابا عن قلقه على مصير المهاجرين واللاجئين الذي يكون “مظلماً في الغالب”، مذكّراً الدول التي تستقبلهم بأنّ المهاجرين “اضطروا إلى ترك ديارهم بسبب الفقر والاضطراب السياسي”.
الملك: لمواجهة التطرف بالتربية
وبعيد وصوله إلى المطار، توجّه موكب البابا فرنسيس والملك محمد السادس إلى باحة مسجد حسان في العاصمة المغربية، حيث أقيم استقبال رسمي بحضور ضمّ آلاف الأشخاص، وأطلقت المدفعية 21 طلقة ترحيباً.
ولمناسبة زيارة البابا المتمحورة حول الحوار بين الأديان وقضايا المهاجرين، ازدانت طرق المغرب بالأعلام الوطنية وأعلام الفاتيكان. وقال الملك، في كلمته خلال الاستقبال الرسمي، إنّ “الحوار القائم على التسامح استغرق وقتاً ليس بيسير، من دون أن يحقّق أهدافه”، مضيفاً أنّ الديانات السماوية الثلاث “لم توجد للتسامح في ما بينها”، بل “وجدت للانفتاح بعضها على بعض، وللتعارف في ما بينها”.
ورأى الملك أنّ مصدر التطرّف هو انعدام التعارف المتبادل والجهل، وأنّ رفضه ضروري من أجل “رفع تحديات هذا العصر المضطرب”. وتابع “لمواجهة التطرف بكل أشكاله، فإنّ الحل لن يكون عسكرياً ولا مالياً، بل الحل يكمن في شيء واحد، هو التربية”، داعياً في هذا الإطار إلى “إيلاء الدين مجدداً المكانة التي يستحقّها في مجال التربية”.
البابا يدعو إلى مجابهة الأصولية
ودعا البابا فرنسيس إلى مجابهة “التعصّب والأصولية” عبر “تضامن” جميع المؤمنين، مدافعاً عن “حرية الضمير” و”الحرية الدينية”.
وأوضح أنّ حرية الضمير والحرية الدينية، التي “لا تقتصر على حرية العبادة وحسب، بل يجب أن تسمح لكل فرد بالعيش وفق اقتناعاته الدينية”، ترتبطان ارتباطاً وثيقاً “بالكرامة البشرية”. وأضاف أنّه علينا أن نجعل من “قيمنا المشتركة مرجعاً ثميناً لتصرفاتنا”.
ورأى البابا أنّ “التطرّف الذي غالباً ما يقود إلى العنف، يمثل في جميع الحالات، إساءة إلى الدين وإلى الله نفسه”. وشدّد على “أهمية توفير تنشئة ملائمة للقادة الدينيين في المستقبل، إذا ما أردنا أن نعيد إحياء المعاني الدينية الحقيقية في قلوب الأجيال الصاعدة”.
توقيع وثيقة مشتركة حول القدس
وقبيل توجّهه إلى القصر الملكي في الرباط لإجراء مباحثات ثنائية مع الملك، زار البابا فرنسيس ضريحي محمد الخامس والحسن الثاني، حيث وضع إكليلين من الزهور على قبريهما ووقّع على الدفتر الذهبي للضريح، وتسلّم من محافظ الضريح كتاباً عن تاريخ الموقع ودرع ضريح محمد الخامس.
وختم البابا لقاءه بالملك عبر توقيع وثيقة مشتركة، أطلقا فيها نداءً يؤكّد على “أهمية المحافظة على مدينة القدس الشريف، باعتبارها تراثاً مشتركاً للإنسانية، وبوصفها، قبل كل شيء، أرضاً للقاء ورمزاً للتعايش السلمي بالنسبة لأتباع الديانات التوحيدية الثلاث، ومركزاً لقيم الاحترام المتبادل والحوار”، ويدعو إلى حرية وصول أتباع كل الديانات إلى الأماكن المقدسة في المدينة.
زيارة معهد لتكوين الأئمة
ومن ثمّ قصد رئيس الكنيسة الكاثوليكية معهد محمد السادس لتكوين الأئمة في المدينة الجامعية في العاصمة، وعبّر عن “سروره” لزيارة هذا المعهد، الذي يحتضن أئمة ومرشدات دينيات، مغاربة وأجانب، ويعمل على محاربة خطابات التطرّف الديني، إذ يتلقّى الطلبة فيه تكويناً متمحوراً حول قيم “إسلام الوسطية والاعتدال”.
وقال المتحدّث باسم البابا، أليساندرو جيزوتي، “إنها المرة الأولى التي يُستقبل فيها البابا في معهد لتكوين الأئمة، إنّه حدث ذات دلالات كبرى”.
واستمع البابا والملك خلال زيارتهما إلى المعهد، إلى كلمات ألقاها كلّ من طالبين، أحدهما إفريقي والثاني أوروبي، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، كذلك استمعوا إلى عزف موسيقي مستوحى من الديانات التوحيدية الثلاث.
ومن المقرّر أن يعقد البابا، مساء السبت، جلسة مع عدد من المهاجرين، في مركز جمعية “كاريتاس” الكاثوليكية الخيرية، حيث سيلقي كلمة. ويوم الأحد سيلتقي بعدد من الكهنة ورجال الدين وممثلي مجلس الكنائس العالمي في كاتدرائية الرباط، وسيحتفل بقداس في المجمع الرياضي مولاي عبد الله، حيث يتوقّع أن يشارك فيه نحو عشرة آلاف شخص، سيلقي البابا أمامهم خطابه.