فجرت صورة مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب الناطق الرسمي باسم الحكومة، أمام مقاعد “فارغة” بمناسبة الندوة الصحفية الأسبوعية ليوم أمس الخميس، جدلا واسعا حول هذا الموعد التواصلي للحكومة، الذي يفترض أن يكون محطة يجيب فيها الجهاز التنفيذي على مختلف الأسئلة التي يحملها الصحافيون، كحصاد أسبوعي لما يشغل بال الرأي العام ببلادنا.
وإذا كانت هذه الصورة لم تعكس، ربما، إلا زاوية الجانب الفارغ من حضور هذه الندوة، فإنها رغم ذلك طرحت سؤالا مزعجا حول فعالية الندوة الأسبوعية للحكومة، وقدرتها على تحقيق التواصل المنشود مع المغاربة في ظل نهج الصمت الذي تتبناه بشكل ممنهج حكومة عزيز أخنوش، والذي يجعل الصحافيين يعودون بخفي حنين من هذه الندوة.
في عدد من الدول، لاسيما تلك التي تحتل فيها الصحافة مركز سلطة رابعة حقيقية، يعتبر منصب الناطق الرسمي من أصعب المهمات التي قد يتكلف بها عضو في الحكومة. لذلك فإن هذه الدول تحرص على ألا يكون في هذا المنصب إلا الشخص المناسب القادر على نسج علاقات صلبة مع الجسم الإعلامي، والأهم أن تكون له القدرة على الوصول إلى المعلومة، والتواصل بشأنها مع الرأي العام.
لذلك، سنجد أن في دولة مثل فرنسا، وزيرة منتدبة تتولى مهمة الناطق الرسمي فقط دون غيرها، بالنظر إلى جسامة المهمة التي تتجاوز الندوة الأسبوعية ليوم الأربعاء، إلى حمل مهمة الدفاع عن العمل الحكومي والإجابة عن مختلف الأسئلة المتعلقة بمجال تدخل الجهاز التنفيذي، وأن تكون الحكومة حاضرة بقوة في المشهد العمومي الذي يزاحم فيه اليوم فاعلون جدد من العالم الافتراضي جميع المكونات التي تساهم في صناعة الرأي العام.
إن الناطق الرسمي يعتبر بحكم مهامه أقرب الوزراء إلى الصحافيين. وقد يجتهد، كما كان يفعل بعض الوزراء السابقين في بلادنا، ليمد الصحافيين بمعلومات “EN OFF” أو يؤطرهم في بعض الملفات التي تحتاج إلى الكثير من الدقة، بدل تركهم يحاربون طواحين الهواء في زمن الأخبار الزائفة والإشاعة.
جرى ذلك حين كانت مهمة الناطق الرسمي تتجاوز حدود ما يتم تداوله في الاجتماع الأسبوعي، حتى وإن كانت عبارة “لم يتم تداوله في المجلس الحكومي” تخريجة استعملها الكثيرون للهروب من الأسئلة الأكثر حرجا.. لكن الناطق الرسمي المحترف قد يجد ألف طريقة للرد، حتى بلغة الخشب واستعمال معطيات معروفة، ليقدم جوابا للصحافيين دون أن يقول لهم “لا”.
لكن المبالغة في جلد ناطقنا الرسمي قد يكون فيها الكثير من التجني على الرجل..فضعف مضمون الندوة الصحفية الأسبوعية يعكس في واقع الأمر ضعفا هيكليا وبنيويا في التواصل الحكومي وحتى التضامن بين وزراء هذه الحكومة..فلا يعقل ان يتم ترك ناطق رسمي بدون معلومة يقدمها للصحافيين، في وقت يفترض أن يساهم جميع الوزراء في مد الرجل بالمعطيات وتقويته ليظهر في أحسن حلة تواصلية أمام الرأي العام.
في البلدان التي تحترف هذه المهمة، لا يشتغل الناطق الرسمي بمعزل عن باقي مكونات الحكومة..في هذه الدول، سنجد أن الناطق الرسمي يتوفر على فريق كبير من الأطر المتخصصة في مجال التواصل وجمع المعلومة وتتبع ما ينشر حتى يستطيع هذا الفريق أن يضع بين يدي الناطق الرسمي الأسئلة التي تشتغل الرأي العام والأجوبة التقنية عنها، ليضفي هو في الأخير اللمسة السياسية على أجوبته.
أما في المغرب، فإن طريقة جواب الناطق الرسمي على عدد من الأسئلة تظهر وجود فراغ حقيقي في الإعداد للندوة الصحفية، ليس لأن الفريق الذي يشتغل مع بايتاس لا يتوفر على الخبرة اللازمة لذلك، بل لأن الوزير نفسه غير قادر على الولوج إلى المعلومة، فالأحرى أن تتوفر لفريقه.
وعليه، سيكون من العبث الاستمرار مستقبلا في تعيين ناطقين باسم الحكومة بدون سلطات حقيقية في الولوج إلى المعلومة والتواصل بشأنها، بشكل يجعلهم محرجين أمام الرأي العام..فالأفضل أن يتم إرسال البلاغ الرسمي عما تداوله في المجلس الحكومي، على أن يتم إرهاق الصحافيين بندوة لا تقدم شيئا للرأي العام، اللهم بعض “التشاش” الذي قد يؤدي دوريا عكسيا كما وقع في مرات كثيرة..فالأزمة لا ترتبط بشخص بايتاس، بقدر ما ترتبط بفراغ تواصلي تعيشه الحكومة منذ تعيينها.