بوجمعة العـوفي
بعيدا عن كل ” فروض الطاعة البلهاء “، وكل التأويلات والتصورات المعطوبة لأصحاب النزعات الذكورية والاستعبادية والأصولية، للذين ما زالوا ينظرون للمرأة كمجال للمتعة وأداة لتفريخ الأطفال والقيام بالأشغال المنزلية فقط : تحمل الصورة التي تظهر فيها سيدة فرنسا الأولى ” بريجيت ماكرون ” وهي تقبل يد زوجها ” إميانويل ماكرون ” الرئيس الفرنسي الشاب المنتخب، والتي تداولتها على نطاق واسع الكثير من وسائل الإعلام الدولية الكثير من المعاني والرسائل والدلالات. أولها هذا الرابط الإنساني والوجداني القوي والاستثنائي الذي جعل شابا فرنسيا في مقتبل العمر، اسمه ” إيمانويل ماكرون “، وكان سنه آنذاك لم يتجاوز العشرين بعد، يعشق معلمته ( المطلقة بثلاثة أبناء ) والتي تَكْبُره بخمس وعشرين سنة، ويخوض من أجل الاقتران بها صراعا مريرا مع عائلته التي وصلت إلى حد تهديده بحرمانه من الإرث.
وتلخص الصورة أيضا أو تحمل في عمقها وإشاراتها فعلا ساميا ونبيلا لامرأة مخلصة وعاشقة، خارج كل النزعات ” النسوية ” و ” الذكورية ” التي تقيد بإيديولوجياتها ومحمولاتها البائسة هذا السحر أو الانجذاب الجارف الذي اسمه ” الحب “، والذي يمكن أن يصنع المعجزات والاستثناءات. فهي تعطي بذلك درسا بليغا لكل النساء العاشقات، واللواتي لا يؤمن بغير الحب كشرط للوجود وكعقيدة موازية. خارج توظيفات السياسية وبروتوكلات الظهور الإعلامي المفبرك لزوجات السياسيين والرؤساء. وهنا تسقط كل مسلمات ارتباطات المصالح والجاه والثروة والنفوذ، لتنتصر شريعة الحب. من أجل هذه السيدة البسيطة والأنيقة (سيدة فرنسا الأولى ) لا يسعني إلا أن ألوح لها بتحية شعرية بسيطة أيضا، تقديرا لقلبها العاشق وإدانة لغربتنا وبؤسنا الموروث :
سيّدتي
ليسَتْ باريسُ
أو لندن .. أو مدريدُ ..
هي ما تعني المَهْجَرُ بالنسبة لي ..
الغربةُ في الداخل
والمَهاجر هاهنا :
في صنعاء، في دمشق، أو في بغداد ..
أعْنَفُ مما يَنسُجُه الوجع ..
فحين تُقبل سيّدة القصر يدَ عاشقها
في باحَة الإليزيه ..
أُدرِكُ أن الوطنَ بعيد عني
أننا مَهْجريون في المكَان وفي القلْب
وأنَّ الغربةَ هي ما نُدرِك لحظةَ ” ارتطامنا بالوطن ” .