منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن، تحولت التجربة المغربية في مجال التصدي للخطر الإرهابي إلى نموذج يحتذى به عبر العالم، تتقاطر عليه أقوى أجهزة الأمن عبر العالم لطلب خبرته وتعاونه.
استراتيجية المملكة في هذا المجال تقوم على محاور متعددة، على رأسها قوة أجهزته الاستخباراتية التي ساهمت في التصدي لعدد من المخططات ليس فقط داخل المملكة، بل على صعيد دول صديقة وشقيقة بفضل تعاون أمني منقطع النظير.
الحلقة الحادية عشرة:
بعد الاعتداء الارهابي الذي استهدف حافلة سياح بمدينة مكناس يوم 13 من شهر غشت سنة 2007، سيستهدف الارهاب الاعمى المدينة الحمراء مراكش يوم 28 أبريل 2011، وبالضبط قلبها النابض ساحة جامع الفنا، مما تسبب في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
فادا كان المهندس هشام الدكالي قد فشل في اتمام جريمة، بعد أن حاول تفجير نفسه قرب حافلة سياحية في ساحة الهديم التاريخية باستعمال قنينة غاز صغيرة الحجم، نتج عن الانفجار بتر يده اليسرى وإصابته بجراح في أماكن مختلفة من جسده دون أن يخلف خسائر في الأرواح، فان منفذ تفجير مقهى أركانة الشهير بساحة جامع الفنا تسبب في مقتل 17 قتيلا و21 مصابا من الأبرياء الأجانب والمغاربة، كما تسبب في تحطيم واجهة المقهى.
وقع الانفجار باستعمال قنبلة يدوية الصنع معبأ في طنجرة معدة للتحكم فيها عن بعد، اعتقد المحققون في البداية أن الحادث بسبب قنينة غاز، ولكن مالبث أن أعلنت وزارة الداخلية المغربية أن التفجير جريمة ارهابية مدبرة من طرف متطرفين.
وإبان الانفجار قُتل 17 شخصًا، توفي منهم 14 شخصًا في موقع الانفجار، بينما أُبلغ عن مقتل 3 أشخاص آخرين في اليوم الموالي بمستشفى المستعجلات. فيما أصيب 25 شخصا، أربعة بجروح خطيرة، بما في ذلك المبرمج الروسي رومان سيليزنيف.
قُتل في الحادث الارهابي ثمانية فرنسيين، أحدهم فتاة من شمال فرنسا عمرها 10 سنوات. كما قُتل أيضًا مواطن كندي، ومواطن بريطاني يدعى بيتر موس ويبلغ 59 عامًا من لندن والذي كان كاتبًا سابقًا لجريدة The Jewish Chronicle ،بالإضافة إلى هولندي، سويسري وبرتغالي يعيش في سويسرا, كما أصيب مواطنون من سويسرا والبرتغال وغيرها, وبالإضافة إلى هؤلاء الرعايا الأجانب، قتل اثنان من المغاربة.
ومن بين الجرحى، تم نقل 14 إلى المستشفى وأعيد أربعة إلى بلدهم في اليوم التالي (اثنان سويسريان وروسيان)، بينما غادر آخرون المستشفى بعد تلقي الرعاية اللازمة. توفي أحد السويسريين فيما بعد أثناء وجوده في المستشفى في زيوريخ.
بعد الاعتداء الارهابي الذي اعتبر الأكثر دموية بعد تفجيرات الدار البيضاء عام 2003 وتسببت في مقتل 33 شخصا و12 انتحاريا. , سيتم فتح تحقيق في الحادث الاجرامي, وانتشرت قوات الامن في انحاء البلاد اثر الهجوم. وقال تمت اقامة حواجز عند مداخل المدن الكبرى في المغرب لضمان الامن الداخلي للبلاد”.
وفي رد فعل سريع أصدر الملك محمد السادس تعليماته الى مختلف المصالح الأمنية والقضائية باطلاع الشعب على خلاصات التحقيق بحسب بلان للديوان الملكي. كما قام جلالته بزيارة ساحة جامع الفنا بعد أيام من الحادث، ووقف على هول الجريمة وفداحة خسائرها بالطابق الثاني لمقهى أركانة, قبل أن يستمع إلى شروحات توضيحية من قبل عناصر الشرطة العلمية والتقنية في عين المكان .
تحدث جلالته لوسائل الاعلام, ونقلت عنه وكالة فرانس بريس قوله أن “العدوان الإجرامي الجبان يتنافى مع القيم الإنسانية المثلى لاحترام الحق المقدس في الحياة، والتسامح والحرية والسلم، التي يتشبع بها الشعب المغربي”، مضيفا جلالته أن “التفجير لن ينال من عزم المغرب على أن يظل بلد الطمأنينة والاستقرار، وملتقى آمنا لكل الشعوب والثقافات، ولن يزيد المغاربة إلا إصرارا على التصدي للارهاب”.
وأصدر جلالة الملك تعليماته الى كلا من وزيري الداخلية والعدل للقيام بفتح تحقيق قضائي لتحديد أسباب وملابسات الانفجار، كما أصدر تعليماته الى وزيرة الصحة من أجل العمل على إحاطة الجرحى ضحايا الانفجار بكل وسائل العناية الطبية والإنسانية، وقدم تعازيه ومواساته لأسر ضحايا الانفجار، معلنا التكفل بلوازم دفنهم ومآتم عزائهم.
وبعد الانتهاء من زيارة مقهى الأركانة، زار جلالة الملك مستشفى ابن طفيل والمستشفى العسكري ابن سينا في مراكش لتفقد أحوال الجرحى من ضحايا التفجير الإرهابي، والاطمئنان على حالتهم الصحية، واستفسر الملك محمد السادس عن الإجراءات التي تم اتخاذها لضمان علاجهم في أحسن الظروف، واستقبل مستشفى ابن طفيل 7 مصابين: مغربيان وخمسة فرنسيين، فيما كان يرقد في المستشفى العسكري ابن سينا، 5 جرحى: هولنديان وفرنسيان ومغربي واحد.
وصفت زيارة جلالة الملك لمكان التفجيرا ومعاودة الضحايا بأنها تاريخية, فقد حملت رسائل التطمين والتضامن للمغاربة، كما بعث رسائل أخرى خارجية لتأكيد إصرار المغرب على التصدي بثبات للجماعات المتطرفة العابرة للحدود الراغبة في التعشيش في المغرب والعمل على التخطيط لتوجيه ضربات للبلاد.
كشفت التحريات الأمنية فيما بعد أن منفذ الجريمة الارهابية تخفى في شكل عازف قيثار عندما دخل إلى مقهى أركانة وزرع قنبلتين في المكان. كما تم التعرف على هويته ويدعى عادل العثماني, حيث دخل إلى المقهى وهو يرتدي شعرا مستعارا, وحمل قيثارا وحقيبتين كانتا تحتويان على قنبلتين مخفيتين, وطلب عصير برتقال قبل أن يغادر المقهى, ويترك الحقيبتين. ثم استخدم هاتفا محمولا لتفجير القنبلتين الموضوعتين فيه طنجرة”.
بعد أن نجحت المصالح الأمنية في فك خيوط الجريمة ألقت، القبض على 3 أشخاص أحدهم المشتبه به الرئيسي وفقا لبلاغ وزارة الداخلية. وتبين أن المشتبه به الرئيسي “مرتبط بالقاعدة وقام بتصنيع القنبلة” التي دمرت المقهى في قلب مراكش السياحي وأن الثلاثة الذين اعتقلوا في مدينة آسفي وكانوا يشاركون في تجنيد مقاتلين لإرسالهم إلى العراق.
أحالت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء المشتبه فيه الرئيسي عادل العثماني الملقب ب’صهيب’ بمعية ستة مشتبه فيهم آخرين على المحكمة، بعد تابعتهم النيابة العامة بتهم تكوين عصابة إجرامية في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وحيازة وتصنيع المتفجرات والانتماء إلى جماعة دينية محظورة.
وأصدرت محكمة مكافحة الارهاب في سلا يوم 28 من اكتوبر من سنة2011 حكما باعدام المتهم الرئيسي، فيما حكم على شريكه بالسجن مدى الحياة.وحكم على أربعة متهمين اخرين في القضية بالسجن اربعة اعوام وعلى ثلاثة بالسجن عامين.
وبعدها قضت غرفة الجنايات الاستئنافية المكلفة بقضايا الإرهاب بملحقة محكمة الاستئناف بسلا الجمعة 9 مارس 2012٬ بتأييد الحكم الابتدائي القاضي بعقوبة الإعدام في حق عادل العثماني٬ المتهم الرئيسي وجعل الحكم الابتدائي القاضي بالمؤبد إعداما في حق المتهم الثاني في الملف حكيم الداح.
كما قضت المحكمة برفع العقوبة الحبسية من أربع سنوات إلى عشر سنوات سجنا نافذا في حق كل من عبد الصمد بطار ووديع اسقيريبة وإبراهيم الشركاوي وعز الدين لشداري. وحكمت المحكمة أيضا برفع العقوبة الحبسية من سنتين حبسا إلى عشر سنوات سجنا نافذا في حق كل من محمد رضا ومحمد النجيمي الذي تم اعتقاله داخل قاعة المحكمة٬ فيما أيدت الحكم الابتدائي القاضي بسنتين حبسا نافذا في حق عبد الفتاح الدهاج، ليسدل بذلك الستار على فصول محاكمة منفذي أحد أكثر الاعتداءات الارهابية دموية في تاريخ المغرب.