سليمان التجريني
إن الأساس الذي بنيت عليه نظرية التغيير من داخل الحزب، هو تخلي الأمناء العامين الذين تعاقبوا على الحزب، عن احترام القانون الأساسي للحزب في القرارات التي يتخذونها، سواء تعلق الأمر بالتدبير الجهوي للحزب ،أو التدبير الوطني، ولقد امتدت هذه النزعة الفردية في التسيير لتشمل القطاعات الموازية للحزب والتحكم فيها، وتم كذلك التحكم بشكل فضيع في التزكيات المرتبطة بالعملية الانتخابية ،سواء الجماعية منها أو التشريعية، ناهيك عن القرارات التي تتم باتفاق سري ما بين الأمين العام ومجموعة من الموظفين والمؤسسات في إطار صفقات غير معلنة، وبعد استلام الرفيق حكيم بنشماش قيادة الحزب، كانت الأمور فاضت من الكأس وبلغ الغليان داخل الحزب أوجه في أوساط الشباب والمتضررين من هذه القرارات ، بالتالي بنيت حملة التغيير التي قادها مجموعة من الشباب قبل أن يستولي عليها المحامي وهبي، على ضرورة بناء حزب حداثي يحترم في قرارته القانون الأساسي للحزب، وينبذ ديكتاتورية الأمين العام ، وتعويضها بالقرارات التشاركية النابعة من احترام مؤسسات الحزب، والقانون المعتمد في المؤتمر.
وعلى هذا الاساس استثمر عبد اللطيف وهبي معركته لقيادة الحزب ،بالتشديد على احترام القانون، واحترام مؤسسات الحزب ، وطالما صرح في خرجاته الاعلامية بأنه لن يرضى لنفسه أبدا أن يكون أمينا عاما للحزب ،دون احترام القانون الاساسي الذي يشكل اساس التعاقد بين الحزب ومناضليه وقيادييه، وطبعا بعد معركة ضارية ،استطاع تيار عبد اللطيف وهبي الوصول لقيادة الحزب، وقبل استكمال إجراءات هيكلة الحزب، دخل العالم في معركة ضد الوباء الذي اجتاح كل الدول دون استثناء، وهو ما جعل من عملية الهيكلة تؤجل الى مابعد الخروج من هذه الأزمة.
غير أنه في الآونة الأخيرة ،فاجأنا السيد الأمين العام بقرارات فردية عبثية لا تستند لأي مرجع أو سند قانوني، وكان أولها إعلانه اقالة رئيس فريق الحزب بمجلس النواب ، واستبداله بآخر دون الاستشارة مع أحد ودون الاعتماد على أي نص قانوني يسمح له بذلك، نظرا لكون مثل هذه القرارات تتخذ من داخل المكتب السياسي وليس بناء على نزعات فردية تحكمها خلفيات سيكولوجية للأمين العام.
وبعد هذا المنزلق الخطير أراد أن يغطي عن خطأه بالاعلان عن تشكيل مكتب سياسي يتكون فقط من الأعضاء بالصفة دون المصادقة عليهم من داخل المجلس الوطني، من أجل جعله بمثابة منديل يمسح فيه منزلقاته الأهوائية، وبالفعل ذلك ما حدث عندما أطل علينا بقرارات جديدة، تبخس القانون الأساسي للحزب وتشوه جميع مؤسسات الحزب، ليعلن من خلالها أنه السيد الزعيم المتحكم في دواليب الحزب ،ولا يهمه من وراء ذلك، لا قانون، ولا مناضلين، ولا مؤسسات ،يكفيني رضا من هم مصطفين من حولي وينتظرون الاستفادة من غنائم الحزب، حيث قرر أن يذبح الحزب عن طريق تعيين منسقين جهويين لإدارة العملية الانتخابية والتحكم فيها، ولم يقف عند هذا الحد بل قرر أيضا أن يعمد إلى تعيين لجنة للأخلاقيات من أجل صد كل من يحاول ان يقف في طريقه ضد هذه القرارات ويهدده بالتجميد أو الطرد.
وبهذا يكون النقاب قد رفع عن الأمين العام في ظرفية وجيزة لم تتجاوز الأرعة أشهر ، ليعلن أمام الجميع أنه لا يختلف عن سابقيه ، بل هو أشدهم تهورا في القرارات الفردية التي توحي بديكتاتورية التسيير،أ ما الديموقراطية فأصبحت معزوفة مهدورة نستمتع بها فقط في ليالينا الماجنة ونغتصبها بعد أن تتغلب علينا الثمالة ونعود صباحا لنعانق ذلك الوحش الكاسر الذي يسكننا بالداخل.
دكتور في القانون الدستوري والعلوم السياسية