منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن، تحولت التجربة المغربية في مجال التصدي للخطر الإرهابي إلى نموذج يحتذى به عبر العالم، تتقاطر عليه أقوى أجهزة الأمن عبر العالم لطلب خبرته وتعاونه.
استراتيجية المملكة في هذا المجال تقوم على محاور متعددة، على رأسها قوة أجهزته الاستخباراتية التي ساهمت في التصدي لعدد من المخططات ليس فقط داخل المملكة، بل على صعيد دول صديقة وشقيقة بفضل تعاون أمني منقطع النظير.
في هذه الحلقات، تسلط جريدة “24 ساعة” الضوء على أحداث وقضايا، استطاعت الأجهزة الأمنية المغربية أن تتصدى لها باحترافية كبيرة، وتثبت نجاعتها وفعاليتها كفاعل أساسي في حماية أمن وطمأنينة الوطن والمواطنين.
الحلقة التاسعة:
مباشرة بعد الاعتداءات الارهابية للسادس عشر من ماي 2003 التي استهدفت العاصمة الاقتصادية للمملكة، وجه الملك خطابا ساميا الى شعبه الوفي أعلن فيه عن الحزم والعمل لمواجهة الارهاب.
جلالة الملك في خطاب 29 ماي من شهر ماي ذاته، أكد أنه أصدر “تعليمات فورية مكنت من السيطرة على الموقف وبعث الثقة في النفوس، ونوه بما قام به ” المواطنون ومختلف السلطات العمومية”. كما أعلن عن مشاطرته “المواطنين عامة وسكان الدار البيضاء خاصة مشاعر التأثر والسخط الشديد والرفض القاطع لما أصابهم من إرهاب عدواني أثيم”. وبعد تعزية أسر” الضحايا الأبرياء من لمغاربة والأجانب” قرر تخصيص منحا مالية لأسر المتضررين.
أدان الملك “ما وقع من عدوان إرهابي” مؤكدا أنه ” يتعارض مع عقيدتنا السمحة”, وان “مدبريه ومرتكبيه هم من الأوغاد السفلة الذين حاشا لله أن ينتسبوا للمغرب أو للإسلام الحق لجهلهم بسماحته التي تعتبر أن من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا، وتجعل من الجهاد اجتهادا في فعل الخير بدل زرع الفتنة وسفك الدماء”.
في نفس السياق عبر جلالته عن اعتزازه ب ” الوقفة العفوية للشعب المغربي قاطبة كرجل واحد ضد من خانوا وطنهم وقتلوا غدرا وعمدا أناسا أبرياء وبالتضامن العالمي الواسع من كل الدول الشقيقة والصديقة في هذه المحنة”.
وبحزم وصرامة أعلن جلالته أنه” دقت ساعة الحقيقة معلنة نهاية زمن التساهل في مواجهة من يستغلون الديمقراطية للنيل من سلطة الدولة أو من يروجون أفكارا تشكل تربة خصبة لزرع أشواك الانغلاق والتزمت والفتنة أو يعرقلون قيام السلطات العمومية والقضائية بما يفرضه عليها القانون من وجوب الحزم في حماية حرمة وأمن الأشخاص والممتلكات”.
وزاد جلالته مؤكدا أن “الإرهاب لن ينال منا”, مضيفا أن المغرب سيظل وفيا لالتزاماته الدولية مواصلا بقيادتنا مسيرة إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي بإيمان وثبات وإصرار”.
كان الخطاب الملكي بداية لشن حرب بلا هوادة على التطرف وخطاب الحقد والكراهية, وأجرى المغرب إصلاحات في مختلف المجالات، فعلى الميتوى الأمني تم إنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية من خلال دمج عناصر مختلفة من قطاع الأمن تحت مؤسسة مركزية، و يعمل المكتب على تعزيز الحكامة الأمنية على المستوى الوطني في إطار قانوني و شفاف (وفقا لتقرير وزارة الخارجية لعام 2015 حول الإرهاب). ومن جهة أخرى اعتمد البرلمان قانونا جديدا لمكافحة الإرهاب، يهدف إلى تعزيز التدابير القانونية لمنع المواطنين من مغادرة البلاد للانضمام إلى الجماعات الإرهابية الأجنبية.
والى حدود تبني القانون المذكور قامت السلطات المغربية بتفكيك 168 خلية إرهابية منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 (21 خلية سنة 2015، 19 خلال سنة 2016، 9 سنة 2017، و 4 فقط خال سنة 2018…) حسب أرقام وزارة الداخلية, وبفضل نجاعة السياسة الاستباقية للمصالح الامنية توالى تفكيك تلك الخلايا الى السنة الجارية ليصل الى أزيد من 200 خلية, وتبين أن أغلبها على صلة بمواقع التوتر العالمية كأفغانستان، باكستان، العراق، سوريا و الساحل، مما خلف اعتقال أزيد من 2963 مشتبه به و إجهاض 341 مخططا إجراميا. من جهة أخرى، فقد غادر ما يقارب 1600 مغربي للقتال في بؤر التوتر، من بينهم 147 عادوا إلى المغرب، تم اعتقال 132 منهم و توقيف 6 آخرين هموا لمغادرة التراب الوطني, وهي الأرقام التي يتم تحيينها باستمرار مع تفكيك كل خلية ارهابية.
لم تعد تلك الخلايا الإرهابية مرتبطة فقط بأجندة داخلية، بل إن ارتباطها بشبكات الإرهاب الدولي التي عملت على ارسال مقاتلين إلى مختلف بؤر التوتر, بل إن منها من تخصص في ارسال متطوعين «للقتال فيها»، فقد بينت التقارير الأمنية والإستخباراتية وجود عدد من المقاتلين المغاربة ضمن عناصر القاعدة بسوريا والعراق والجزائر والصومال والساحل الإفريقي وأفغانستان وغيرها.
والى جانب تناسل الخلايا، فإن الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة لا تزال ومنذ سنة 2005 تصنف من طرف الخارجية الأمريكية من بين المنظمات الإرهابية التي تشكل خطرا في العالم، وذلك من ضمن ٤٥ تنظيما دوليا من بينها تنظم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. الجماعة المغربية التي يتزعمها محمد الكربوزي المغربي ذاالجنسية البريطانية والمدان بالسجن غيابيا من قبل العدالة المغربية، صنفت منظمة ذات بعد دولي سري ينتشر في الدول التي يقطن بها المغاربة المهاجرون خاصة في أروبا الغربية.
ويتهم عدد من قيادييها الذين تلقوا تدريبات عسكرية في معسكرات تنظيم القاعدة بأفغانستان وشاركوا في الحرب ضد السوفيات وأفغانستان بالوقوف وراء اعتداءات مدريد سنة 2004 وكذا عمليات الإسقطاب للقتال في العراق، ونفذ أحد عناصرها عملية انتحارية ضد قوات التحالف في العراق، وهم متهمون بالوقوف أيضا وراء اعتداءات الدار البيضاء سنة 2003».
تفكيك عدد من الخلايا الارهابية، أبان عن ارتباط الجريمة الإرهابية والجريمة المنظمة وتداخل اعمال الارهاب مع عصابات الجريمة المنظمة. ذلك ما أكدته العديد من الأبحاث والتقارير الصادرة سواء عن أجهزة الأمن الوطنية أو الدولية ولاسيما من الشرطة الجنائية الدولية الأنتربول التي أكدت عن العلاقة القائمة بين الارهاب والجريمة المنظمة من سرقة سيارات وتزوير الوثائق والسطو على الأبناك وتهجير البشر وتهريب السلاح والمخدرات.