24 ساعة _ متابعة
أكد رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، الأستاذ محمد بن حمو، أن المغرب اليوم لم يعد يقبل النفاق السياسي وازدواجية المعايير، ولم يعد متساهلا في قضية وحدته الترابية، وذلك على خلفية التطورات التي شهدها منحى العلاقات مع إسبانيا بعد استقبال لزعيم ميليشيا البوليساريو على ترابها بهوية مزورة.
وأوضح بنحمو في مقال تحليلي تحت عنوان “اسبانيا وعقدة الخطر القادم من الجنوب”، إن المغرب اليوم لم يعد يقبل النفاق السياسي وازدواجية المعايير، ولم يعد متساهلا في قضية وحدته الترابية، كما عبر عن ذلك الملك محمد السادس في خطابه السامي بمناسبة الذكری ال17 لعيد العرش المجيد بالقول “لن نرضخ لأي ضغط، أو محاولة ابتزاز في قضية مقدسة لدى جميع المغاربة” على اعتبار أن قضية الصحراء موضوعا وجوديا للمملكة وعلى رأس أولوياتها الاستراتيجية.
وأشار في هذا الصدد إلى أنه لا يكاد يصفو الجو العلاقات المغربية مع الجارة الشمالية حتى تفتعل أزمة أخرى، مبرزا أنه بعد معاكستها لترسيم المغرب حدوده البحرية، ومعارضتها الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء تحت ذرائع متعددة، انتقلت إسبانيا إلى مستوى آخر في معاكسة المصالح الاستراتيجية للمغرب، تحت ذريعة الظروف الإنسانية.
ولفت بنحمو في ذات السياق إلى أن المغرب، وفي كل أزمة، يحاول التعامل بكثير من الحنكة الدبلوماسية، حيث عبر عن الكثير من الرزانة و التأني المصحوب في الوقت نفسه بالصرامة الدبلوماسية في تعامله مع الحكومة الإسبانية بعد استقبالها لزعيم ميليشيا البوليساريو الانفصالية المتهم بارتكابه جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بتنسيق مع المخابرات الجزائرية، ضاربة عرض الحائط الشراكة الاستراتيجية التي تجمعها مع المغرب على جميع المستويات، مع سبق الإصرار والترصد لأن الدواعي الإنسانية تقتضي مراعاة حسن الجوار، وليس الخبث و التستر بوثائق مزورة على مجرم حرب وزعيم جماعة تحمل السلاح ضد المملكة.
واعتبر من منظوره أن الحكومة الإسبانية تحاول اليوم تحميل المسؤولية للمغرب في المأساة الإنسانية التي حدثت في المدينة المحتلة التي تعتبرها داخل نطاق حدودها، في ازدواجية المعايير في الشراكة مع المغرب معتقدة أنها علاقة انتقائية، موضحا أنه كلما تعلق الأمر بالتآمر مع الجزائر والبوليساريو، تصاب الحكومة الإسبانية ب “الزهايمر” تجاه المغرب، وعندما يتعلق الأمر بالهجرة أو الإرهاب تتذكر أنه شريكها الاستراتيجي.
وفي سياق متصل، علق بنحمو على رد فعل الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أنه “في الوقت الذي كان منتظر أن يسلك (الاتحاد الأوروبي) موقفا أكثر رزانة بالنظر إلى العلاقات الاستراتيجية التي تجمعه مع المغرب، اختار الاصطفاف إلى جانب إسبانيا في الأزمة المفتعلة، وذلك بالتصريحات التي عبر عنها نائب رئيس المفوضية الأوروبية، مارغريتاس شيناس، التي يمكن اعتبارها بمثابة “ردة الفعل التي أزاحت القناع وكشفت عن الوجه الخفي للاتحاد الأوروبي في تعامله مع المغرب حيث يعتبره شريكا استراتيجيا متى تعلق الأمر بمصالحه، في مقابل ضبابية المواقف عندما يتعلق الأمر بمصالح المغرب”.
وأفاد رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، أنه يجب قراءة ما وراء السطور في ما ورد في تصريحات مارغريتاس شيناس بأن “أوروبا لن يخيفها أحد”، كما هو الشأن بالنسبة للأزمات التي تفتعلها الجارة الشمالية، والتي زادت حدتها بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وتزايد الأدوار الاستراتيجية التي أصبح المغرب يلعبها على المستوى الإقليمي والدولي تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة، حيث أصبح قوة لا يستهان بها على جميع المستويات.
وبناء عليه أشار إلى أن خير دليل على ذلك الاتصال الأخير الذي جمع كاتب الدولة الأمريكي المكلف بالشؤون الخارجية مع نظيره المغربي، معتبرا خلاله الشراكة مع المغرب استراتيجية ودوره محوريا في بحث حل للأزمة الفلسطينية الإسرائيلية.
كما أشار الخبير إلى تزايد أهمية الأدوار المحورية للمغرب في عمقه الإفريقي الذي أصبح محط أطماع وتنافس القوى الدولية، مبرزا أن الجارة الشمالية ومن ورائها الاتحاد الأوروبي تنظر إلى تقوية العلاقات المغربية الأمريكية كتهديد لمصالحها وتقوية للنفوذ الأمريكي الذي أسس لعلاقات استراتيجية مع المغرب مبنية على التعاون والمصالح المشتركة.
واعتبر في هذا السياق، أن الجارة الشمالية “ما زالت تعيش في عصور غابرة حيث كان بإمكانها التأثير في استقرار بلدان أخرى والتدخل في شؤونها الداخلية بشكل مباشر أو غير مباشر، وإن كان ينجح مع بعض البلدان”، مؤكدا أن ما لم تستوعبه إسبانيا هو أن المغرب لا يمكن أن يكون راعيا لمصالح أي أحد، ولن يقبل أن يكون دركيا حارسا لحدود أي دولة. “فإما أن تكون الشراكة مبنية على أسس واضحة ومصالح متبادلة، وإما أن يتحمل كل مسؤولياته عما ينتج عن قراراته من عواقب”.
وحسب بنحمو، فإن المغرب استطاع اليوم، بفضل حنكته الدبلوماسية وذكائه الأمني، أن يفرض لنفسه مكانة محترمة في المنتظم الدولي، وأصبح صمام أمان الاستقرار في محيطه الإقليمي ككل، بالنظر إلى الاضطرابات التي تشهدها الجارة الشرقية التي تحاول تصدير أزماتها إلى الخارج، وخطر الجماعات الإرهابية القادم من الساحل الإفريقي.
وقال إن المغرب يتصدى لهذا الخطر بشكل متواصل، وأن أول مستفيد من مجهوداته هي دول الجوار في الشمال، إيمانا منه بمسؤولياته، بالنظر إلى الشراكة الأمنية التي تجمعه مع حلفائه الاستراتيجيين، والتي طالما اعتبرها الاتحاد الأوروبي أكثر فعالية بعد مساهمته في وقف هجمات إرهابية قبل وقوعها بفضل قوة أجهزته الأمنية، كما أنه أمن لسنوات حدود أوروبا بناء على اتفاقيات مكافحة الهجرة غير النظامية وعلى المسؤوليات المشتركة.
أما وأن المسؤولية من جانب واحد، يضيف بنحمو، فالمغرب حسم في مواقفه ولم يعد يقبل التهديدات والابتزازات مهما كانت ومن أي جهة كانت، على اعتبار أن التعاون الاستراتيجي بين المغرب وباقي بلدان العالم مبني على أسس الند للند، ومبدأ رابح رابح، والمعاملة بالمثل.
وخلص في الأخير إلى القول إن المغرب بلد يحترم مسؤولياته تجاه شركائه متى كانت مسؤولية متبادلة واضحة الأسس والأهداف، ومعروف بمواقفه الرزينة والعقلانية، ولكن متى تعلق الأمر بالمصالح الاستراتيجية للوطن، فإنه لا يقبل الازدواجية والضبابية في المواقف.