24 ساعة – متابعة
تتسارع التحذيرات من الأضرار البيئية المتفاقمة، ويطفو التلوث البلاستيكي على السطح باعتباره أحد أخطر التحديات التي تواجه العالم اليوم، ليس فقط باعتباره مشكلة جمالية تشوه المناظر الطبيعية، بل كتهديد شامل يمس البيئة والصحة العامة ويعجل بتغير المناخ.
وفي هذا السياق، يدق رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، ناقوس الخطر، مسلطا الضوء على التأثيرات العميقة لهذا التلوث، بدء من تدمير النظم البيئية والتنوع البيولوجي، مرورا بانبعاث الغازات الدفيئة، ووصولا إلى تغلغل الجزيئات البلاستيكية في غذائنا وهوائنا ومائنا.
وحذر الخبير البيئي مصطفى بنرامل، في تصريحه لـ”24 ساعة”، من المخاطر الجسيمة التي يشكلها التلوث البلاستيكي، مؤكدا أن هذه الآفة لم تعد مجرد مظهر تشوهي في الفضاءات العامة، بل باتت تمثل تهديدا عالميا حقيقيا، يدمر البيئات الطبيعية، ويضعف التنوع البيولوجي، ويسرع من وتيرة الاحتباس الحراري، فضلا عن الأضرار الصحية الخطيرة التي تصيب الإنسان بشكل مباشر.
وأوضح مصطفى بنرامل، أن التلوث بالبلاستيك يمتد ليشمل الأنهار والبحيرات والمحيطات، ويصل حتى إلى الغابات والتربة، ما يؤدي إلى تدمير المواطن الطبيعية للكائنات الحية، ويمنعها من الحركة والتكاثر، وقد يفضي إلى موتها سواء بسبب الاختناق أو التسمم.
كما أن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة (الميكروبلاستيك) تنتشر في الماء والتربة والهواء، محدثة تلوثا عميقا يمتد لفترات طويلة يصعب التخلص منه.
وشدد بنرامل، على أن هذا التلوث يؤدي إلى تدهور التنوع البيولوجي، فالكائنات التي تبتلع البلاستيك، أو تتشابك في مخلفاته، غالبا ما تلقى حتفها، مما يقلل أعدادها ويهدد بانقراض بعض الأنواع، وهذا التراجع في التنوع ينعكس سلبا على توازن النظام البيئي بأكمله ويجعل الطبيعة أقل قدرة على التكيف مع التغيرات المناخية والبيئية.
كما أوضح بنرامل كذلك أن دورة حياة البلاستيك نفسها تساهم بشكل كبير في زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، من لحظة استخراج المواد الخام الأحفورية، إلى عمليات التصنيع والنقل، ثم التخلص عبر الحرق أو التحلل، في كل هذه المراحل، يفرز البلاستيك كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان، مما يفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، ويعجل بآثار التغير المناخي.
وأشار مصطفى بنرامل إلى أن التلوث البلاستيكي لا يؤثر فقط على البيئة، بل يمتد إلى صحة الإنسان، حيث تدخل الجزيئات البلاستيكية الدقيقة إلى أجسام البشر عبر مياه الشرب والأطعمة، خصوصا الأسماك والمأكولات البحرية، وحتى عبر استنشاق الهواء.
وأضاف أن هذه الجزيئات، رغم أنها صغيرة، إلا أن لها القدرة على التسبب في التهابات، وتلف في الخلايا، واضطرابات في الجهاز الهضمي، كما أن البلاستيك يحتوي على مواد كيميائية مضافة مثل الفثالات والبيسفينول أ، والتي قد تؤدي إلى اضطرابات هرمونية وتزيد من خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان.
ونبه مصطفى بنرامل إلى خطر امتصاص البلاستيك للملوثات العضوية الثابتة (POPs) من البيئة المحيطة، مثل المبيدات ومركبات الديوكسين، وهي مواد شديدة السمية تلتصق بجزيئات البلاستيك وتنتقل معها عبر السلسلة الغذائية إلى الإنسان، مما يشكل تهديدا إضافيا للصحة العامة.
وتطرق بنرامل إلى الأثر الاقتصادي للتلوث البلاستيكي، إذ تتكبد الدول تكاليف ضخمة لتنظيف الشواطئ والمجاري المائية والفضاءات العمومية، كما يتسبب التلوث في تراجع مداخيل السياحة، ويضر بقطاعي الصيد البحري والزراعة، ويشوه صورة المناطق الطبيعية التي تعتبر مصدر رزق للسكان المحليين.
كما دعا مصطفى بنرامل إلى ضرورة التحرك العاجل على مستويات متعددة لمواجهة هذه الكارثة، من خلال تقليص إنتاج البلاستيك خاصة ذي الاستعمال الواحد، وتحسين منظومات جمع النفايات وتدويرها، وتشجيع استخدام المواد البديلة القابلة للتحلل، بالإضافة إلى تطوير تقنيات علمية جديدة لإزالة التلوث البلاستيكي.
وشدد الخبير، على أهمية نشر الوعي البيئي، عبر تنظيم حملات توعية مستمرة، وتوظيف وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وتنظيم ورشات في المدارس والجامعات، لأن المواجهة تتطلب مشاركة الجميع: الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والأفراد.
كما أكد بنرامل أن النجاح في الحد من التلوث البلاستيكي يتطلب أيضا تعاونا دوليا فعالا، من خلال سن اتفاقيات عالمية ملزمة للحد من إنتاج البلاستيك ومخلفاته، ودعم المبادرات البيئية عبر القارات، لأن التلوث لا يعترف بالحدود.
وختم مصطفى بنرامل الخبير البيئي، تصريحه بالتأكيد على أن هذا الخطر لا يمكن معالجته إلا بمقاربة شمولية تنخرط فيها جميع الأطراف، داعيا إلى تسريع وتيرة الانتقال نحو اقتصاد دائري مستدام يقلص الاعتماد على البلاستيك، ويعزز من قدرة الإنسان والطبيعة على التعايش في توازن بيئي وصحي دائم.