24 ساعة – متابعة
لعل الصورة النمطية التي ساهمت في ترسيخها العديد من الأسباب، حول المرأة المغربية المغتربة التي اختارت بلد المهجر مستقرا معيشيا، صورة تطبعها السلبية، وتقديم المرأة المغربية في اتجاه يرسم الدونية والتقليل منها، وهذا ما يخالف الواقع، ويخالف ما وصلت إليه المغربية وما حققته، في شتى المجالات في مختلف بقاع العالم.
في هذه السلسلة التي تفتحها 24 ساعة بشراكة مع “مجلس الجالية المغربية بالخارج” اخترنا لها عنوانا بارزا “الهجرة..إسم مؤنث”، سنحاول سرد حكايات نساء مغربيات على لسانهن، تألقن وحققن إنجازات جديرة بالتنويه، وطبعن على مسارات مهنية متفردة ،من خلال محاورة ضيفات مغربيات من أرض المهجر.
في أولى حلقات هذه السلسلة نستضيف ابنة المحمدية، الدكتورة المغربية خديجة حرمي الشرقاوي
، أم لطفلتين، مستشارة وأستاذة، وعالمة البيولوجيات الجزيئية بجامعة ريتشرلاند بجامعة تكساس ، دالاس باحثة في الميدان العلمي ، وأستاذة علوم الأحياء، في دردشة حول مسار مهني وشخصي متميز، من المحمدية إلى أمريكا، مرورا بعاصمة الأنوار باريس، قصة مثابرة وطموح قل نظيره.
أولا لنتحدث في نبذة قصيرةعنكم من طفولة خديجة حرمي الشرقاوي؟
شكرا على الاستضافة، أنا من مواليد المحمدية، لكني انحدر من فاس، ولعل الزمان أسعدني بتزامن طفولتي مع فترة الكتاب والثقافة، ترعرعت وسط عائلة متوسطة، فعلاقتي بالكتاب بدأت من سن مبكرة، بحكم أن والدي كان محاسبا ورفيق دراسة المرحوم باحنيني، وأخي كان لاعب كرة قدم معروفا كذلك، كل هذا جعل الطموح يكبر داخلي، فكان الإصرار على التفوق والنجاح من سن مبكرة ومنذ سنوات الدراسة الأولى، في زمننا الجميل الذي كان للأستاذ قيمة ولا وجود ل”تجارة” الدروس الخصوصية، لأن الأستاذ كان يقوم بمهمته ويؤدي رسالته على أكمل وجه، وهنا لابد من الإشارة لفضل أستاذة لازالت تطبع ذاكرتي منذ القسم الرابع ابتدائي، “العايدية أمازين” رحمها الله، لتأثيرها الكبير على شخصيتي رفقة عائلتها التي كانت تنشط في الأعمال الاجتماعية، وكان التعايش يطبع المغرب ككل على اختلاف المعتقد أو الديانة.
كيف كان مساركم الدراسي وكيف وقع الاختيار على تخصصكم ؟
بعد حصولي على بكالوريا علمية، ولجت جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء حيث حصلت على الإجازة. ذهبت بعدها إلى فرنسا
لتنطلق انطلقت مسيرتي الدراسية من جديد، حيث حصلت على إجازة ثانية، ثم الدراسات المعمقة، وناقشت أطروحتي، وهنا لابد من الإشارة بدور والدتي في هذا الطموح الذي زرعته فينا وتركيزها على ضرورة التفوق الدراسي لأنه الباب نحو معيشة أفضل، وبحكم أنني لا أنتمي لعائلة ثرية، كنت اشتغل وأدرس في نفس الوقت، لأن موضوع المنح الدراسية لم يكن متاحا وقتها. حصلت على الدكتوراه بعد دبلوم في الدراسات المعمقة أنجزته حول مرض السكري.
هل كانت الهجرة اختيارا أم محض صدفة ؟
ذهابي لفرنسا في الحقيقة كان مفاجأة من أخي الأكبر الذي كان يعتبر بمثابة والدي، استيقظت ذات صباح لأجد تذكرة طائرة لفرنسا، حيث يقطن بعض من أفراد العائلة، فكان الاندماج سريعا بحكم أنني درست بالفرنسية وكنت أتقنها، خصوصا أنني كنت مواظبة على المطالعة بالفرنسية، لم يكن اختيارا بقدر ما كان قدرا ربما.
نعلم بأنكم أقمتم بعدد من الدول الأجنبية، حدثونا عن مساركم بهاته الدول، ولماذا وقع الاختيار على الاستقرار في أمريكا؟
كنت من الأوائل الذين اكتشفوا “عامل النمو التحولي ألفا” في بداياته، حيث كنت أقضي 24 ساعة في المختبر، لانجاز البروتوكولات المتعلقة به، بعدها جاءتني عروض كثيرة من جامعتي هافارد وليفربول، حيث توجهت لانجلترا التي كانت فترة ناجحة كذلك توجت بإصدار كتاب علمي مع بروفيسور معروف، وأما عن قدومي لأمريكا كانت لدي عروض كثيرة من عدة جامعات أمريكية، فاخترت العيش في كاليفورنيا لأن الطقس قريب من المغرب
حدثينا عن الصعوبات التي واجهتموها والاندماج وصدام الثقافات؟ هل كان الاندماج في هذه المجتمعات سريع أم تطلب منكم بعض الوقت، وهل أفقدكم هذا الاندماج بعض الطبائع أو العادات المغربية؟
في الحقيقة أحداث 11 سبتمبر، كانت نقطة فاصلة في تفكير الأمريكيين، حيث أصبح ينظر إلينا بشكل مخالف، واتضح أن الشعب الأمريكي لا يعرف شيئا عن الإسلام، ولكن رغم ذلك فالشعب الأمريكي أكثر تفتحا ويمكن الاندماج بسرعة أكبر من أوروبا، وهناك احترام كامل لثقافة وتقاليد الأخر، لكن عموما اعتقد ان المغاربة يندمجون بسرعة لأن موقع بلدنا المغرب جعل منه بلد بثقافات متعددة ومنفتحة على العالم، وبالتالي فاندماجي كان سريعا، لكن الارتباط الوجداني مع بلدي المغرب كان ولازال قويا، لدرجة أنني أقوم أولا بالبحث عن مطعم مغربي أو أي شيء متعلق به، وهذا بالضبط سبب لقائي مع زوجي، لأنتقل رفقته للعيش بتكساس، التي لم ترقني كثيرا.
وعلاقتي بالمغرب لازالت قوية رغم مغادرتي له منذ 31 سنة، ولازلت أنشط مع جمعيات من المغرب، وسفيرة لمنظمات مختلفة كلها مرتبطة بالمغرب، كجمعية (International Morocco Storytelling) التابعة لليونسكو، تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، والتي أمثلها كسفيرة لها بأمريكا، وسفيرة للثقافات بلا حدود، على سبيل الذكر فقط، ما أريد قوله أن جسر التواصل مع المغرب لم ولن ينقطع.
هل ستفكرون يوما ما، في العودة إلى المغرب وتقديم خبرتكم لوطنكم أم أن المغرب لا يضمن مستوى الاشتغال في ظروف يمكن أن تكون منتِجَة ؟
بخصوص العودة للمغرب، كنت أتمنى ذلك ولم أتوفق كما سبق أن ذكرت، واعتقد أن المغرب يجب ان يفتح الباب للكفاءات المغربية الشابة بالخارج، وهذا لا يعني أن جيلي قد انتهى دوره بالعكس، نحن نؤطر ونساهم على عدة واجهات، بل وحتى ابنتي مثلا تقوم بأنشطة تعريفية بالمغرب في مدرستها، المغرب يسكننا وهذا أمر غير متحكم فيه، ونحن دوما رهن إشارة بلدنا في اي وقت، لمنح خبراتنا الطويلة.
هل نظرتكم للمغرب اليوم هي نفس النظرة أم أن الهجرة غيرت رؤيتكم؟
الهجرة والتعرف على ثقافات أخرى لا يمكن إلا أن يكون أمرا جيدا، لكن الارتباط بالوطن المغرب كان ولازال وسيظل يسكننا ونراه في كل تفاصيل حياتنا اليومية، بل ونمرر هذا الارتباط لأبنائنا، وما أتمناه بكل صدق أن تؤسس المغرب لسياسة فعلية ويتم تنزيلها عملية للاستفادة من المغاربة عبر العالم، على اختلاف تخصصاتهم.