عبد الله بوصوف
سنُودع سنة 2021 بكل ما حملته من أحداث صاخبة و لحظات تاريخية فارقة ، تميزت ببالغ التأثير لجائحة كوروونا و مشتقاتها على معادلات العلاقات الدولية و إعادة ترتيب الخرائط السياسية و التحالفات الاقتصادية و تضرُر الطبقات الهشة..كما تميزت بعمليات تلقيح واسعة و سجالات قانونية بين حرية التلقيح الشخصي و ضرورة حماية المجتمعات من انتشار الوباء الفتاك.
سنودع سنة 2021 بين تدابير احترازية صارمة و أخرى مخففة و بين الحيطة و الحذر للحفاظ على مكتسبات عمليات التلقيح الجماعي و الحد من انتشار الوباء ، وترقب كبير لكل جديد شركات الأدوية العالمية و مختبرات محاربة الأوبئة ، و التشجيع على مبدأ التضامن الإنساني في عمليات التوزيع المجاني للقاح بالنسبة للدول النامية و الفقيرة.
ورغم كل تهديدات و تداعيات جائحة كورونا خلال سنة 2021 ، فإنها لم تمنع عودة الحياة تدريجيا الى ميادين السياسة و الرياضة و الفن…وهكذا شهدت إعادة تنظيم العديد من التظاهرات المؤجلة عن سنة 2020 ، ككأس الأمم الأوروبية لكرة القدم بانجلترا و الألعاب الأولمبية بطوكيو وكأس العرب بقطر و الكوب 26 بغلاسكو ( بريطانيا ) و اكسبو دبي 2020…كما عادت للإنعقاد اجتماعات جي 20 وجي 7 و البرلمان الأوروبي و اللجنة الأوروبية و غيرها من الهيئات داخل المقرات الأممية أو القارية.
لقد عاش العالم و طيلة إثنى عشر شهرا الماضية أحداثا ستغير لا محالة من مجرى العديد من معادلات العلاقات الدولية كالملف الليبي الذي، بعد سلسلة من اللقاءات و المؤتمرات ، تم تأجيل الانتخابات التشريعية و الرئاسية التي كانت مقررة يوم 24 دجنبر من هذه السنة الى موعد غير مسمى ..لتبقى مُخرجات لقاءات المغرب سواء بالصخيرات أو بوزنيقة.. هي أهم نتائج الحوار في الملف اللبيبي.
كما تميزت هذه السنة بإجراء انتخابات في كل من إيران وعودة المحافظين الى السلطة ،و هو ما يعني الرجوع بالملف النووي و التخصيب الى طاولة جنيف من جديد ، كما جرت انتخابات بألمانيا في شهر أكتوبر و مغادرة المستشارة انجيلا ميركل السياسة بعد قيادتها ألمانيا مدة 16سنة و تراجع حزبها في بورصة الانتخابات الألمانية وعودة قوية للخضر.
الانتخابات أجريت أيضا في روسيا حيث فاز حزب ” روسيا الموحدة ” بأغلب مقاعد الدوما الروسي ، بالإضافة الى انتخابات مهمة بدول أمريكا اللاتينية.
سنة 2021عرفت تنصيب الإدارة الأميركية الجديدة ( جو بايدن ) التي رفعت شعار حقوق الانسان و الديمقراطية، واختارت التركيز على منطقة المحيط الهادي لترسيخ التحالف السياسي والاقتصادي القديم / الجديد مع دولها و الحد من النفوذ الاقتصادي الصيني…كما اختارت الإدارة الأميركية من جهة أخرى الخروج من أفغانستان بعد عشرين سنة من التواجد العسكري وهو ما فتح المنطقة على سيناريوهات جديدة تتعلق بالاستقرار و التحالفات و التسليح و العنف …كما خلف موجة جديدة من الهجرة الجماعية نحو أوروبا..
لقد فسر العديد من الملاحظين بأن ” روسيا بوتين ” أحست بنوع من التفوق خلال تدبيرها لملفات ساخنة كسوريا و ليبيا و دول الساحل الافريقي و أيضا أنبوب الغاز الطبيعي ” نورد ستريم 2″ و ارتفاع مبيعاتها من الأسلحة لمختلف دول العالم ، كما انها رأت في الانسحاب الأمريكي من أفغانستان و عودة طالبان نوعا من الضعف… لذلك عجلت بإرسال حوالي 170الف جندي روسي الى حدود أوكرانيا ، و في نفس الوقت أرسلت شروطها الى كل من حلف الناتو و الولايات المتحدة الامريكية ، تخص انضمام أوكرانيا و بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق الى ” حلف الناتو” ، و كذا الرؤوس النووية و القواعد العسكرية الأمريكية في أوروبا… واضعة بذلك العالم على شفة حرب عالمية.
لقد عشنا خلال سنة2021 أحداثا مأساوية و هجرات جماعية جديدة ( أفغانستان و العراق ) سواء بأوروبا الشرقية ( بيلاروسيا و بولندا ) و ما عرف ذلك من توظيف سياسي واضح ، أو انطلاقا من ليبيا نحو سواحل اليونان و جنوب إيطاليا..أو انطلاقا من بحر المانش في اتجاه بريطانيا ..
والتوظيف السياسي لم يقف عند رغبة بعض دول أوروبا الشرقية في بناء سور و رفض المفوضية الأوروبية تمويله..بل هو ترسيخ ملف الهجرة و اللجوء و كراهية المهاجرين كعقيدة لا تتزعزع في كل برامج اليمين المتطرف خاصة الفرنسي ..في حين تجنبت برامج الانتخابات الألمانية لسنة 2021 توظيف الإسلام و الهجرة وهو ما يحسب لها.
من جهة أخرى، تسجل سنة 2021 كسنة انتصارات ديبلوماسية مغربية في ملف الصحراء المغربية بمرور سنة على الاعتراف الأمريكي ( 10دجنبر 2020) بشرعية السيادة المغربية على الصحراء المغربية..و مشاركة الإدارة الامريكية الجديدة في مناورات عسكرية أمريكية بالجنوب المغربي ( يونيو 2021) او بالبحر المتوسط ( دجنبر 2021) و كذا الاحتفال “بالاتفاق الثلاثي ” في دجنبر 2021.
كما سجلت هذه السنة اعترافا أمميا بمكانة المغرب و قوة أجهزته في عمليات مكافحة الإرهاب الدولي و حفظ السلام الدولي .. وذلك باحتضان العاصمة المغربية ” مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب و التدريب بافريقيا ” في يونيو 2021 وهو الأول بإفريقيا..
وقبل توديع سنة 2021 ، فقد حمل شهر دجنبر..تصريحات ألمانية إيجابية بخصوص ملف الصحراء المغربية و الحكم الذاتي و بالدور المغربي المهم على مستوى العلاقات المتوسطية و الأوروبية و الافريقية…و هي التصريحات التي عبدت طريق عودة العلاقات المغربية/ الألمانية الى ” شكله الطبيعي ” و أولها عودة السفيرة المغربية الى العاصمة برلين..هذا في انتظار رجوع العلاقات المغربية/ الإسبانية الى سابق عهدها ، لكن بمعادلات جديدة و سقف جديد
كما حمل معه قرار ” الجامعة العربية ” باعتماد خريطة تضم الصحراء المغربية في كل الاجتماعات و داخل المقرات..وهو انتصار للتاريخ و الجغرافيا و إجماع عربي على حق المغرب في وحدته الترابية في أفق عقد القمة العربية بالجزائر السنة المقبلة ، وهو ما يُحرج جنرالات الجزائر و يزيد في عزلتهم…رغم حملة توزيع شيكات سونطراك لإستمالة بعض الأصوات العربية.. هذا بتزامن مع ارتفاع طوابير الشعب الجزائري من أجل حصص الحليب و الخبز و اللحم … !
كما يدخل الاجتماع الوزاري الأول ل ” مجموعة فيسغراد ” و المغرب المنعقد يوم 7 دجنبر من هذه السنة..في إطار تنويع المغرب لشركاءه في أوروبا الشرقية و الاشتغال على أجندات مشتركة مع كل من بولندا و التشيك ، هنغاريا و سلوفاكيا..وهو ما يعني حصادا ديبلوماسيا مغربيًا إيجابيا في انتظار معارك السنة المقبلة 2022..
فسنة 2022 ستعرف العديد من الأحداث و الأجندات خارج الحدود المغربية ، لكن شئنا أو أبينا لها ترددات على الأوضاع المغربية…كالانتخابات الرئاسية الفرنسية مثلا في ابريل2022، و تمدد شعارات اليمين المتطرف داخل المجتمع الفرنسي..و القوانين الأوروبية الجديدة الخاصة بالانتقال الرقمي سواء بالنسبة للأسواق أو الخدمات…digital services act (dsa) أو digital markets act (dma) و أيضا قوانين الهجرة و اللجوء و الطاقات المتجددة…و غيرها كثير.
كما ستعرف بداية سنة 2022 انطلاق مفاوضات روسيا و الولايات المتحدة الامريكية و حلف الناتو.
سنستقبل إذن سنة 2022 و كلنا أمل في الحفاظ على حياة الشعوب من جائحة كورونا و مشتقاتها المتحورة ، و كلنا أمل في توفير اللقاح المجاني لشعوب القارة الافريقية…
لتكن سنة 2021 خطوة للوراء من أجل خطوتين للأمام..بحثا عن الحقيقة و تدفعهم الآلام و الأخطاء و ملل الحياة إلى الوراء، لكن الشوق الى الحقيقة و العزيمة الصلبة تدفعهم إلى الأمام قدما…يقول انطوان تشيغوف الروائى الروسي الكبير في رواية ” المبارزة ” .