إعداد: عبد الرحيم زياد
تقدم جريدة “24 ساعة” الإلكترونية خلال شهر رمضان المبارك، سلسلة حلقات تستعرض جوانب مضيئة من تاريخ المغرب الاجتماعي في القرن التاسع عشر، وذلك من خلال كتاب “المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر – اينولتان 1850-1912” للمؤرخ والأديب المغربي أحمد التوفيق.
الكتاب عبارة عن رحلة عبر الزمن إلى قلب المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر، من خلال دراسة تاريخية اجتماعية عميقة، تسلط الضوء على فترة حاسمة من تاريخ المغرب، وتحديدًا منطقة “اينولتان”، خلال النصف الثاني من 19 وبداية القرن 20. وهي فترة شهدت تحولات جذرية نتيجة للضغوط الاستعمارية والتغيرات الداخلية التي عصفت بالمجتمع المغربي.
كما يتناول الكتاب فترة حكم السلطان الحسن الأول، وهي فترة زاخرة بالأحداث والتحديات التي ساهمت في تشكيل ملامح المغرب الحديث. ويقدم وصفًا دقيقًا للحياة اليومية للناس في “اينولتان” ، مركزًا على العادات والتقاليد، والبنية الاجتماعية، والاقتصاد المحلي. كما يسلط الضوء على تأثير العوامل الخارجية، مثل التجارة الأوروبية والضغوط السياسية، على المجتمع المغربي.
الحلقة 17 : إينولتان والمخزن من بداية السعديين إلى منتصف القرن التاسع عشر :
انحاز هسكورة للسعديين قبل 1526. . وقد أشار مارمول إلى أن الشرفاء قد قضوا على النزاعات بين دمنات وألمدين عند استيلائهم على المنطقة. ومع السعديين بدأت مرحلة من العلاقات السياسية بين القبائل والدولة حيث وقع الاحتكاك المباشر بين جهاز الدولة وبين البنية القبلية المتفككة، بعد ذهاب المجموعات المتلاحمة ومشيخاتها الكبرى.
وتتبين أهمية منطقة دمنات في العهد السعدي مما جاء في مناهل الصفا» من كون المنصور قد أدال بها لكبير الدولة إبراهيم السفياني. وذكر الوصف البرتغالي المجهول المؤلف أن دمنات كانت مقر قائد سعدي وحامية من العسكر، لكن نفس المصدر ذكر أن عددا من القبائل الجبلية كان بإمكانها أن تتجنب المراكز التجارية حيث كان يترصدها الجابي، لأنها كانت تستطيع أن تكتفي بوسائلها الخاصة في المعيشة..
وقد ظهرت تلك المراكز التجارية، عند قدم الجبل، قلاعا جابية، كما أن الدولة حافظت على المسئولية الجماعية القديمة في واجب القبائل نحوها، بالرغم من تلاشي أواصر التآزر. لذلك تتكرر في هذا العصر نازلة رجل باع عليه أهل موضعه في المطالب المخزنية اللازمة له بين جماعته … » .
ولم نقف على أخبار اينولتان إبان نزاع أبناء المنصور وانقسام المغرب إلى عدة إمارات. ويظهر أن دمنات كانت رغم شهرة ثروتها منهكة مستنزفة عندما أقام بها المولى رشيد بن الشريف حين خروجه بعد موت والده وبيعة أخيه من تافيلالت مارا بتدغة قدمنات قبل التحاقه بزاوية الدلاء، وقد ذكر مويت أن العسكر الذي أرسله السلطان سنة 1680 إلى تافيلالت قد فاجأ عند رجوعه منها، حصن دمنات، ونازل أهله وقتلهم عن آخرهم، مما يدل على أنهم لم يدخلوا في الطاعة إلى ذلك الحين.
ومن الراجح أن هذا الحدث هو الذي أورده توماس بيلو عندما ذكر أن عسكر مولاي اسماعيل بعدما فاجأ حصنا من حصون الدير، وتمكن من دخوله، استسلم سكانه وطلبوا الأمان تحت طاعة السلطان، معتذرين بأن أهل الجبال هم الذين جروهم إلى العصيان مكرهين، وأنهم لو لم يفعلوا لفتكوا بهم عن آخرهم، وطلبوا من العساكر أن ينتقموا لهم من أولئك الجبلين على أن يعينوهم على ذلك.
وقد صارت دمنات إلى نظر عامل المولى إسماعيل الباشا غازي بوحفرة ثم إلى نظر ولده أحمد الذهبي لما تولى على تادلا ابتداء من سنة 1111هـ (1699م). وبجانب القوة التي كانت تمثلها العساكر في قصبة دمنات والتي ذكر «القول الجامع» أن بعض جدرانها اسماعيلية، فقد كان المرابطون الحنصاليون في بداية علاقاتهم مع الدولة معينين لها على إلزام قبائل المنطقة طاعة السلطان..
وبعد المولى إسماعيل بايع سكان دمنات المولى عبد الله بدل أن يؤووا المستضيء الذي ثار عليه. وقد استمرت طاعة الدمناتيين لمحمد بن عبد الله الذي جعل منطقتهم إلى نظر قائده سعيد بن العياشي في أول الأمر. وذكر أكنسوس أن السلطان محمد بن عبد الله، عندما عزل قائده محمد بن أحمد الدكالي البوزاري عن السراغنة وتادلا وبني مسكين ودمنات وغيرها حتى لم يترك له سوى اخوانه جعل قائدا على السراغنة محمد (فتحا) الصغير السرغيني من أولاد مبارك. وكانت اينولتان مضافة إلى عمالة السراغنة ومحمد بن عبد الله هو الذي نقل العبيد من دمنات إلى تيط الفرط وبذلك انتهت ساسية الحصون عند قدم الجبل.
وقد ذكر صاحب الاستقصا أن القبائل سرعان ما استعادت أسلحتها. وبينما كان خليفة عامل السراغنة مقيما بدمنات كان أفخاذ من اينولتان غير خاضعين لسلطته. ففي تلك الفترة عاش الفقيه الكيكي بكرول من اينولتان وكتب فتواه حول الحيازة المشار إليها، والتي تبرز بشكل صريح أن تلك الجبال كان يسودها انعدام الأمن» و«انعدام اليقين»، كما أن سكانها رجعوا إلى اعرافهم القاسية : فالضعيف لا يصل إلى حقه أو يصل إلى بعضه إلا بعد أن يكون قد خسر أضعاف ما أخذ الجور الحكام وقلة الانقياد». كما كانت جل بيوعات الناس لا تخلو من ضغوط » ولم يفت الكيكي أن يذكر أن القول بلزوم بيع المضغوط لكون حفظ الابدان مقدما على حفظ الأموال هو قول شاذ استحسنه بعض حذاق المتأخرين وأفتى به ابن هلال للوزير علي بن يوسف الوطاسي.
ومن السراغنة حكم اينولتان بعد محمد الصغير المذكور ابنه الجيلالي ثم حفيده محمد بن الجيلالي في عهد المولى سليمان. وقد كسر خليفته حمو ايمغري انتفاضة القبيلة اينولتان، ولكن آيت واودنوست قتلوه بعد أن أدخلوه على «عروس» مسلح – (رجل) (209). وفي عهد محمد بن الجيلالي تدخل المولى سليمان لفض نزاعات حول ساقيتي دمنات وآيت وأودنوست عدة مرات.
ولما تولى أحمد بن القائد شدد الخناق على الاينولتانيين، فهاجموا مقر خليفته بدمنات ونهبوا الدور والأسواق سنة 1248هـ (1832) ، وبذلك دخلت المنطقة في سلسلة أحداث القرن التاسع عشر.