إعداد: عبد الرحيم زياد
تقدم جريدة “24 ساعة” الإلكترونية خلال شهر رمضان المبارك، سلسلة حلقات تستعرض جوانب مضيئة من تاريخ المغرب الاجتماعي في القرن التاسع عشر، وذلك من خلال كتاب “المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر – اينولتان 1850-1912″ للمؤرخ والأديب المغربي أحمد التوفيق.
الكتاب عبارة عن رحلة عبر الزمن إلى قلب المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر، من خلال دراسة تاريخية اجتماعية عميقة، تسلط الضوء على فترة حاسمة من تاريخ المغرب، وتحديدًا منطقة “اينولتان”، خلال النصف الثاني من 19 وبداية القرن 20. وهي فترة شهدت تحولات جذرية نتيجة للضغوط الاستعمارية والتغيرات الداخلية التي عصفت بالمجتمع المغربي.
كما يتناول الكتاب فترة حكم السلطان الحسن الأول، وهي فترة زاخرة بالأحداث والتحديات التي ساهمت في تشكيل ملامح المغرب الحديث. ويقدم وصفًا دقيقًا للحياة اليومية للناس في “اينولتان” ، مركزًا على العادات والتقاليد، والبنية الاجتماعية، والاقتصاد المحلي. كما يسلط الضوء على تأثير العوامل الخارجية، مثل التجارة الأوروبية والضغوط السياسية، على المجتمع المغربي.
الحلقة19: اينولتان: وصف جغرافي وتحديات الزراعة في الأطلس الكبير الأوسط
التضاريس : تشرف على اينولتان قمم عالية كقمة مكون (4071م). ولكن الكتلة الجبلية التي تمتد عليها مواطنهم متدرجة في الارتفاع، فنجدهم، مثلا، يسمون الطرف الأدنى من آيت شتاشن بالسهل» مع أنه يوجد فوق ارتفاع 1000م. ولكننا في المرتفعات العليا نجد انحدارات شديدة، وأودية عميقة نسبيا، لا تتفتح إلا نادرا.
وهذه الأودية تنتهي كلها غربا إلى الحوز الشرقي. ويمكن أن نميز ثلاث مستويات من التضاريس : المرتفعات الدنيا ما بين 800م و 1100م وتتكون من اعراف وتلال تشقها الأنهار بعد خروجها من الخوانق ، وفي هذا المستوى نجد بلد كطيوة السهل، و آیت مجطن، وآيت و او دانوست، ومنخفض دمنات الذي تحيط به قرى آيت أومزيزل.
والمرتفعات المتوسطة، وهي أشد انحدارا، وفيها يبدأ الغطاء الغابوي وترتفع بعض القمم كقمة جيبر (1700م)، وفي هذا المستوى نجد آيت شتاشن الوطاء، وآيت كرول وآيت صالح، وآيت ايواريضن.
أما المرتفعات العليا الشديدة الانحدار، والعميقة الأودية، فتأتي فوق ذلك، ويحتلها آيت شتاشن الجبل وآيت توتلين، وكطيوة الجبل وآيت بلال.
وأهم الأنهار التي تخترق اينولتان هي تاساوت (الأخضر) التي ينبع من بحيرة ايز وغار عند آيت بو كماز ، وواد غزف الرافد الرئيسي للأخضر، الذي ينبع من أعلى تاكازالت (2580م)، وأخيرا واد أمهاصر الذي يبدأ من ايمي ن أيفري قريبا من دمنات.
وتربة هذه المنطقة الجبلية كلسية منفذة، لا توفر سوى مساحات منزرعة متقطعة قليلة الاتساع (5)، وهذه المساحات المنزرعة، تمتد في الغالب على شكل أشرطة رقيقة بجوانب المجاري المائية أو على بعض المنحدرات المعتدلة حيث تقام المدرجات.
المناخ : كتلية الأطلس الكبير الأوسط، وارتفاعه، مضافان إلى البعد عن البحر وإلى عروض منخفضة نسبيا، تعطيه مناخا أكثر قارية وأكثر جفافا من الجبال الأخرى بالمغرب، إذا استثنينا الأطلس الكبير الشرقي..
فالأودية شديدة القيظ صيفا، والتساقطات غير منتظمة، موزعة على حوالي شهر ونصف. وتهب على المنطقة رياح عنيفة، مصحوبة بأمطار، كما تجتاحها رياح الشركي القاسية مثل التي يتعرض لها السهل. ولا يبقى الثلج سوى بضعة أسابيع ما بين ارتفاع 1500م و1800م .
امكانات الزراعة : وتخلق هذه العوامل الطبيعية، من فقر التربة وانفاذها للمياه السطحية، ومن غلبة الجفاف، ظروفا عسيرة للزراعة خاصة في سهول قدم الجبل وفي الانحدارات الجبلية الشديدة. ومع ذلك فقد اجتهد السكان في استغلال الامكانيات الزراعية فحول قرى اينولتان تلاحظ بعض آثار اجتثاثات قديمة، كما تحيط بكل قرية منها بساتين فسيحة تنطبق عموما على المنطقة المسقية، وتعلوها حقول مفتوحة تكون المنطقة البعلية. وقد اجتهد سكان القرى المشرفة على الأنهار في استغلال حاف الأودية، خصوصا عندما لا تكون خوانق ضيقة، وتستثنى من هذه الندرة، منطقة واد امهاصر التي توجد بها دمنات، والتي طالما بهر الرحالين خصبها وكثرة زروعها وشجرها. وتأتي بعدها منطقة تمتد أسفلها، وتعتمد على مياه نفس منبع امهاصر وهي منطقة آيت واودنوس، أما منطقة ايواريضن المستفيدة من مياه واد غزف فهي أكثر مواتاة لغراسة الأشجار، وخاصة الكروم، وتتوفر امكانيات مماثلة، بفضل وجود المياه، وبعض التربة المنزرعة، على ضفتي تاساوت (الأخضر) بعد خروجها من الجبل ومرورها ببلد آيت مجطن. كما يتوفر هؤلاء على نفس الظروف على ضفة تاعينيت.
أما بلد كطيوة، الواقع شمال اينولتان على حدودهم مع نتيفة فأرض مكونة من تلال قد تصل إلى 1200م، وتربته حمراء فقيرة شبه عارية، فمجانب للمجاري المائية، وقراه مشتتة فوق أعراف تلك التلل، تستغل شعابا فقيرة ضيقة. وبينما يعاني هؤلاء من الجفاف يقاسي آيت شتاشن وآيت بلال من قساوة الشتاء وشدة الانحدار وقلة المياه في بعض الأحيان.
وبصفة عامة فحصة الأشجار المثمرة تزيد عند اينولتان عن حصة زراعة الحبوب. فمنخفض دمنات مشهور بغابته من أشجار الزيتون على طول واد امهاصر وكذا عند آيت واودنوس. وهذه المنطقة هي بالدرجة الأولى منطقة أشجار . وقد عرف ايواريضن من قديم بغراسة الكروم والرمان والتين. كما نجد عند الأفخاذ الأخرى، حسب الارتفاع ، اهتماما بغراسة أشجار الزيتون واللوز والجوز.
على أن منطقة اينولتان ليست من حيث الامكانيات الزراعية، في مثل غنى الأطلس الكبير الغربي، ولا في مثل فقر موطن قبائل صنهاجة الأطلس الكبير الشرقي. فالرعي عندهم ليس فقط مكملا للزراعة، بل هو نشاط مواز لها وربما كان أكثر مردودا منها. ولكن السكان بعد قرون من الانكباب على أساليب الزراعة والري الجبليين،
وبسبب ضيق الآفاق بالنسبة لامتدادات في السهل بوجود قبائل أقوى عند قدم جبلهم، قد مالوا إلى الاقتصار على اكتساب قطعان أقل أهمية من التي كانت لهم من قبل، كما اقتصرت الحياة الرعوية عندهم على التنقلات الداخلية. وتتجلى أهمية الزراعة في كونهم ينتظرون نهاية الحصاد للصعود إلى المراعي في الجبال العليا . وأخصب هذه المراعي موجودة بين آيت توتلين وآيت بوولي وعند آيت شتاشن الجبل.