24 ساعة-أسماء خيندوف
تتصاعد في فرنسا أصوات عدد من العمال الموسميين المغاربة، للتنديد بما وصفوه بظروف عمل غير إنسانية تقترب من العبودية الحديثة، وذلك بعد أن تم استدراجهم بعقود مدفوعة الثمن للعمل في الضيعات الفلاحية، ليجدوا أنفسهم أمام واقع صادم يفتقر لأدنى مقومات الكرامة.
وفي هذا السياق، أفاد موقع “ستريت بريس” الفرنسي، في تحقيق حديث، بأن عشرات العمال المغاربة دفعوا مبالغ تصل إلى 14 ألف يورو مقابل الحصول على عقود عمل موسمي في منطقة لوت إي غارون جنوب غرب فرنسا، المعروفة بإنتاج التفاح. ولم يكن واقع العمل كما وعدوا به، بل تميز بأجور زهيدة وساعات طويلة من العمل، في ظروف سكن مهينة وغير صحية.
عمال مغاربة يكشفون الوجه المظلم للحصاد في فرنسا
تحدث أحد العمال المغاربة، ينحدر من شمال المملكة، للموقع الفرنسي بكشف هويته، مؤكدا أنه قضى أكثر من عشرين سنة يشتغل في ظروف مذلة، موثقا ما عاشه بصور وفيديوهات وتسجيلات وعقود رسمية. وقدم شهادته ضمن تحقيق استهدف فضح ممارسات مشغل فرنسي يدعى “أ. أ”، الذي يعد شخصية نافذة في النقابة الزراعية التنسيق الريفي المحسوبة على اليمين المتطرف.
هذا النقابي، الذي يشغل منصبا داخل الضمان الاجتماعي الزراعي في منطقتي دوردوني ولوت إي غارون، متهم بتقديم أجور تقل بكثير عن الحد الأدنى القانوني، واستغلال ثلاثين عاملا مغربيا داخل مساكن ضيقة تفتقر للتهوية والماء الساخن والكهرباء الكافية، بحسب شهادات العمال.
وتكشف الشهادات أن وسطاء مغاربة، بعضهم من العمال الموسميين السابقين، تورطوا في عمليات بيع العقود مقابل آلاف اليوروهات، في حين تصل ساعات العمل اليومية إلى 12 ساعة. كما تفيد المعلومات بأن رواتب العمال لم تكن تصرف بشكل منتظم، بل يتم تزوير كشوف الأجور، ولا يتلقى بعضهم مستحقاتهم إلا في نهاية الموسم، إن حصلوا عليها أصلا.
تحقيقات مفتوحة وملاحقات قضائية
أشار تحقيق “ستريت بريس” إلى أن استدراج العمال يتم عبر عقود تبدو قانونية، مستغلين وثائق رسمية صادرة عن المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج (OFII)، وهو ما يعطي نوعا من الشرعية على عملية توظيف مشبوهة. ولكن الواقع الميداني يكشف عن نمط ممنهج من الاحتيال والاستغلال، وفق توصيف الضحايا.
وبدأت بعض الأصوات في كسر جدار الصمت، حيث قرر عدد من العمال تقديم شكاوى رسمية أمام القضاء الفرنسي، بتهم تتعلق بالاتجار بالبشر والاحتيال.
الحالة التي أثارها التحقيق ليست معزولة، إذ سبق لمحكمة مدينة أجان أن أدانت، في دجنبر الماضي، مزارعة بالسجن ثلاث سنوات وغرامة قدرها 50 ألف يورو بعد ثبوت تورطها في قضايا مماثلة. كما تم توقيف زوجين بناء على شكايات تقدم بها 22 عاملا بتهم تتعلق بالاستغلال.
وفي فبراير الماضي، تقدم ثلاثة عمال مغاربة بدعوى قضائية ضد مشغلهم في منطقة ليبورنيي بإقليم جيروند، بعدما أكدوا أنهم لم يتلقوا أجورهم رغم دفعهم المبالغ المطلوبة مقابل عقود العمل.
تفتح قضية عمال التفاح في “لوت إي غارون” الباب مجددا للنقاش حول الهشاشة القانونية التي يعيشها العمال الموسميون الأجانب في فرنسا. وتسلط الضوء على شبكة استغلال معقدة تجمع بين وسطاء محليين ومشغّلين نافذين، في ظل غياب رقابة صارمة تضمن حقوق العمال وصيانة كرامتهم.