الأناضول
تشهد العلاقات على محور الجزائر- السعودية خلال الأشهر الأخيرة حركية كبيرة تجلت في تبادل للزيارات على أعلى مستوى رغم تباين مواقف البلدين من عدة ملفات إقليمية أبرزها السوري واليمني، وهي تطورات فرضتها التغيرات المتسارعة في المنطقة والعالم، وفق أحد الخبراء.
واستقبل الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، الأسبوع الماضي، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز في زيارة خاطفة وصفت من قبل وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بـ”الأخوية”.
وفيما لم تقدم الوكالة تفاصيل أكثر حول الملفات التي تناولها اللقاء، ذكرت وسائل إعلام سعودية أن الجانبين بحثا مجمل الأحداث التي تعرفها الساحات العربية والإسلامية والدولية وكذا واقع التعاون الثنائي وسبل دعمه.
ونهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، زار رئيس الوزراء الجزائري، عبد المالك سلال، السعودية، برفقة وفد ضم وزراء ورجال أعمال.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، زار الجزائر رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية، الفريق أول الركن عبد الرحمن بن صالح البنيان.
واكتفى بيان لوزارة الدفاع الجزائرية آنذاك بالتأكيد على أن مباحثات الضيف السعودي مع القيادة العسكرية الجزائرية “ركزت على التعاون العسكري الثنائي وسبل تنويعه، فضلا عن تبادل وجهات النظر بشأن أهم القضايا الراهنة”.
وقبل زيارته للسعودية في نوفمبر/تشرين الثاني، علق رئيس الوزراء الجزائري على وضع العلاقات مع الرياض بقوله، في تصريحات صحفية، إن “هذه العلاقات رغم ما يظهر عليها من تناقض في المواقف، إلا أنها جيدة”.
ومن الرياض، أطلق سلال تصريحات قالت وسائل إعلام محلية إنها تحول في الموقف الجزائري من الأزمة اليمنية عندما أكد أن “الجزائر تقف إلى جانب السعودية في مواجهة الإرهاب وأن الجزائريين سيقفون وقفة رجل واحد ضد أي تهديد للأماكن المقدسة في المملكة”.
وكان المسؤول الجزائري يشير إلى إعلان “التحالف العربي” اعتراض وتدمير صاروخ “باليستي”، على بعد 65 كلم من مكة المكرمة، قال إن جماعة “أنصار الله” (الحوثي) أطلقته من محافظة صعدة، شمالي اليمن نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
والجزائر من الدول العربية التي لم تنخرط في التحالف العربي في اليمن، بقيادة السعودية، والذي أطلق في 26 مارس/آذار 2015 عملية عسكرية ضد مسلحي جماعة الحوثي وحلفائها من المسلحين الموالين للرئيس السابق، علي عبد الله صالح؛ ردا على سيطرتهم على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، إضافة إلى محافظات يمنية أخرى.
ومؤخرا، رددت تقارير إعلامية أنباء حول وساطة جزائرية في الأزمة اليمنية لكن دون تأكيدها رسميا من الطرفين.
ويكتفي وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، كل مرة يُسأل عن هذا الملف بالقول إن الدبلوماسية الجزائرية معروفة بأنها “قائمة على مبدأ خدمة الغير والتضامن دون استعمال دبلوماسية مكبر الصوت، وأن الجزائر تعمل في أكثر من مكان دون الحاجة إلى الاحتفاء بأي مجهود نقوم به تجاه أي دولة”.
من جهته، رفض السفير السعودي بالجزائر، سامي بن عبد الله الصالح، في حوار مع صحيفة “الخبر” الجزائرية (خاصة) نشر الأربعاء الماضي تأكيد أو نفي وجود هذه الوساطة.
وقال إن “مكانة الجزائر في المجتمع الدولي وموقعها الجيوسياسي يجعلها قادرة على حلحلة الأزمات في اليمين أو في غيره”.
وتابع: “للجزائر رجال وعقول وثقل يؤهلونها للقيام بجهود أو مساع لحل الأزمات”.
وأعلن الدبلوماسي الجزائري عن انعقاد اللجنة العليا للتعاون بين بلاده والسعودية نهاية شهر فبراير/ شباط المقبل.
إضافة إلى الملف اليمني، تحافظ الجزائر على علاقات رسمية مع نظام بشار الأسد في سوريا، ويتبادل الجانبان الزيارات الرسمية، بينما تدعم أغلب دول الخليج- وفي مقدمتهم السعودية- المعارضة السورية المسلحة، وتدعو إلى رحيل الأسد.
وفي أكثر من مناسبة، برر مسؤولون جزائريون هذه المواقف برفض الجزائر التدخل في الشأن الداخلي للدول الأخرى، وتفضيل طريق الحوار والتفاوض لحل أزمات المنطقة.
كما سجل تباين في الموقفين الجزائري السعودي من النزاع بين المغرب والبوليساريو على إقليم الصحراء، فبينما تدعم الرياض موقف المغرب بمنح الإقليم حكما ذاتيا، تدعو الجزائر إلى إجراء استفتاء، برعاية منظمة الأمم المتحدة، لتقرير مصير الصحراويين.
عامر مصباح، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر العاصمة، اعتبر أن “هذا الحراك على خط الجزائر- الرياض أملته التغيرات المتسارعة سواء إقليميا وبالتحديد في المنطقة العربية أو دوليا بوصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة”.
وأوضح في حديث للأناضول أن “المملكة العربية السعودية أضحت تدرك أن طريقها نحو سوريا يجب أن يمر عبر الجزائر وذلك بفعل تسارع الأحداث هناك بإعلان 23 يناير/ كانون الثاني تاريخا لانطلاق مفاوضات كازاخستان بين النظام والمعارضة”. كما أن “الجزائر حافظت على شعرة معاوية بعلاقاتها الجيدة مع نظام الأسد وحتى مع المعارضة بشكل يجعلها قادرة على لعب أي دور باسم الدول العربية في الملف السوري”.
من جهة أخرى، يرى هذا الباحث المتخصص في العلاقات الجزائرية السعودية أن “ما يتم تداوله من حديث عن وساطة جزائرية في الأزمة اليمنية له ما يبرره في الواقع بحكم أن الجزائر لم تتحيز إلى أي طرف في هذه الأزمة، كما تملك علاقات جيدة مع الرئيس السابق علي عبد صالح الذي استقبلت طلبة يمنيين في عهده بجامعاتها وكوادر كثيرة من حزبه أيضا”.
ووفق المتحدث فإن “ما هو مطلوب من الجزائر في رأيي ليس الوساطة في الأزمة اليمنية لأنها شديدة التعقيد ولكن لعب دور المسهل في إطلاق حوار بين مختلف الأطياف”.
وعلى صعيد آخر، اعتبر هذا الخبير أن “وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة وتشدده في القضية المسماة قانون جاستا الأمريكي يفرض على الرياض البحث عن موقف عربي موحد للرد عليه وللجزائر التي تحافظ على علاقات جيدة مع أغلب الدول العربية دور كبير تلعبه لتحقيق ذلك”.
وقانون “جاستا”، أقره الكونغرس، في سبتمبر/أيلول 2016، رغم النقض (الفيتو) الرئاسي، ويسمح لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، بمقاضاة دول ينتمي إليها منفذو هذه الهجمات، وغالبيتهم من السعودية.
وانتقدت السعودية هذا القانون، محذرة من عواقب وخيمة وتداعيات على علاقتها مع واشنطن، حيث ترفض المملكة تحميلها مسؤولية اشتراك عدد من مواطنيها (15 من أصل 19) في هجمات 11 سبتمبر.
وبشأن الشق الاقتصادي، قال مصباح إنه يعد محورا هاما في هذا التقارب “كون البلدين يعتمدان بشكل كبير على عائدات النفط وقد تكبدا خسائر كبيرة بعد تراجع أسعاره في السوق الدولية والتنسيق بينهما مهم لإعادة الاستقرار للسوق فضلا عن حاجة الجزائر لاستثمارات خليجية لتنويع اقتصادها” المتراجع.