أسامة بلفقير- الرباط
الدبلوماسي الجيد هو الذي ينجح في تحقيق الاختراقات فوق الميادين المعقدة، وهذا بالضبط ما يميز الدبلوماسية المغربية في الدفاع عن قضية الصحراء المغربية في سياق جيو-سياسية وتاريخية معقدة ومتشابكة، كما هو الحال في منطقة أمريكا اللاتينية.
في مسار الدفاع عن قضية الصحراء المغربية حصد المغرب عددا كبيرا من المواقف التي تدعم سيادته على أرضه، لعل أبرزها موقف الولايات المتحدة الأمريكية. وهاهو اليوم يأتي الموقف البيروفي ليصحح موقفا لا ينسم مع الموقف المعتمد منذ سنة 1986.
المغرب عبر عن الترحيب بإعلان بيرو، أمس الخميس، سحب الاعتراف بـ”جمهورية البوليساريو” المزعومة. ووفق بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج فإن هذا القرار يأتي على إثر المحادثة الهاتفية التي أجراها ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية المغربي، مع ميغيل أنخيل رودريغيز ماكاي، وزير العلاقات الخارجية البيروفي. وقالت الوزارة، في بلاغ صادر عنها اليوم أيضا، إن القرار البيروفي يعمل أيضا على دعم الوحدة الترابية للمملكة ومبادرتها للحكم الذاتي.
وشددت وزارة الشؤون الخارجية على أنه “بفضل المبادرات التي تم اتخاذها خلال السنوات الأخيرة، بتعليمات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، سحبت العديد من البلدان اعترافها بالكيان الوهمي”.
“المملكة المغربية تعرب عن تقديرها وإشادتها بقرار جمهورية بيرو، الذي يفتح صفحة جديدة في العلاقات مع هذا البلد الصديق”، أورد البلاغ ذاته قبل أن يزيد: “هذا القرار سيمكن من تعميق التشاور السياسي وتعزيز التعاون القطاعي، خاصة في مجالات الفلاحة والأسمدة. وفي هذا الإطار، سيتم اتخاذ مبادرات ملموسة في القريب العاجل”.
وكانت خارجية بيرو قد أعلنت، أن ‘هذا القرار اتخذ انسجاما مع الشرعية الدولية، المنصوص عليها في ميثاق منظمة الأمم المتحدة، وفي احترام كامل لمبادئ الوحدة الترابية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة. كما يأتي لدعم الجهود التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل التوصل إلى حل سياسي وواقعي ودائم وتوافقي للنزاع حول الصحراء”، وفق تعبير المصدر.
وأوضحت بيرو أنه “أخذا بعين الاعتبار عدم وجود أي علاقة ثنائية فعلية، إلى حدود اليوم، قررت حكومة جمهورية بيرو سحب اعترافها” بـ”الجمهورية الصحراوية”، وقطع جميع العلاقات مع هذا الكيان، وسيتم إخبار منظمة الأمم المتحدة بهذا القرار”.
من جهة أخرى، أورد بلاغ وزارة الشؤون الخارجية المغربية أن “من بين 193 بلدا عضوا في الأمم المتحدة، 84 في المائة منها لا يعترف بـ”الجمهورية الصحراوية” المزعومة، أي ثلثا البلدان الإفريقية و68 في المائة من بلدان أمريكا اللاتينية والكارايبي، و96 في المائة من البلدان الآسيوية، و100 في المائة من بلدان أوروبا وأمريكا الشمالية”.
صحيح أن الدبلوماسية المغربية تواجه اليوم تحديا في منطقة أمريكا اللاتينية بسبب العودة القوية لليسار إلى الحكم، وهو وضع تستغله الجبهة الانفصالية حتى وإن كان الاعتراف بها لا يستند لا إلى واقع تاريخي ولا شرعي، بل فقط نتيجة واقع أصبح من الماضي.
هذا التحدي لا يمكن إنكاره، ونحن على بعد أيام من عودة كولومبيا للاعتراف بالانفصاليين..لكن الذي لا يمكن إنكاره هو أن قضية الصحراء المغربية أصبحت اليوم مسنودة بالشرعية الدولية، حتى داخل أروقة مجلس الأمن الدولي.
فالاعتراف الأمريكي جاء تتويجا لمسار من المواقف التي تدعم بشكل صريح سيادة المغرب على صحرائه، وتدفع نحو تبني المنتظم الدولي لمشروع الحكم الذاتي باعتباره الحالي الواقعي الذي من شأنه أن يوفر لساكنة الصحراء المغربية العيش الكريم، بعيدا عن حياة العبودية في مخيمات العار بتندوف الجزائرية.
ولأن الواقع اليوم هو واقع حقوق الإنسان والكرامة، فقد فهم المنتظم الدولي أن الحل الوحيد لساكنة تقبع داخل سجن مفتوح على السماء فوق الأراضي الجزائرية يمر، حصريا، عبر الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية ودون المساس بشبر واحد من الأراضي المغربية، وهو الموقف الذي تبنته الولايات المتحدة الأمريكية، وستسير نحو مختلف الدول الأوروبية بعد إسبانيا وألمانيا أيضا.