هافينغتون بوست عربي
وصف حزب العدالة والتنمية الحاكم، الأربعاء 12 أبريل الجاري، استقالة عبد الإله بنكيران بأنها “إجراء تنظيمي بسيط، قد تطلب القليل من الوقت”.
عقب الانتخابات البرلمانية (7 أكتوبر2017)، فاز بنكيران بمنصب نائب بالبرلمان عن مدينة “سلا”، ليصبح رئيساً للوزراء بعد فوز حزبه بالأغلبية. في المقابل، أُجبر بنكيران على تقديم استقالته من منصبه في البرلمان وفقاً لما ينص عليه النظام الداخلي، حيث إن المنصبين يتعارضان، وفق صحيفة “جون افريك”.
تصديق البرلمان
قرار الاستقالة يحتاج إلى تصديق مجلس النواب والمجلس الدستوري السابق، الذي تم حله في انتظار استبداله بالمحكمة الدستورية، التي رأت النور في أبريل 2017.
وفي أعقاب الانتخابات البرلمانية، طُلب من العديد من الوزراء، بعد حصولهم على مقاعد بالبرلمان، ترك مناصبهم الوزارية. أما بالنسبة لعبد الإله بنكيران، فقد كان الأمر معقّداً، ذلك أن توليه رئاسة الحكومة كان بقرار من الملك نفسه، فضلاً عن أن عملية تشكيل الأغلبية في صلب الحكومة قد طالت أكثر مما كان متوقَّعاً.
تضيف صحيفة جون افريك، أنه لسائل أن يسأل: ما الذي من شأنه أن يمنع زعيم حزب العدالة والتنمية من الاحتفاظ بمقعده في البرلمان، في حين أنه لم يعد رئيساً للحكومة؟ لتأتي الإجابة على لسان عضو في حزب العدالة والتنمية، حيث أوضح أن “إجراءات تعارض المنصبين كانت قد انطلقت بالفعل، وهي عملية لا رجعة فيها. بالإضافة إلى ذلك، تعد عودة بنكيران إلى مقاعد البرلمان بعد أن كان رئيساً للحكومة أمراً ليس بالهيّن بالنسبة له”. عموماً، يبدو أن مهمة أخرى أكثر جدّية في انتظار الأمين العام لحزب العدالة والتنمية.
منذ أن اضطر الحزب إلى لعب دور ثانوي في الحكومة الجديدة، تضافرت جهود مختلف الأطراف لرص صفوف الحزب بهدف استعادة “مجده السابق”. وفي هذا السياق، قال مصدر من داخل الحزب: “إننا بحاجة إلى تغيير جذري لجبر الشروخ التي حدثت داخل الحزب”.
خطيب مفوه
ومن المثير للاهتمام، وفق صحيفة جون افريك، أن عبد الإله بنكيران يعتبر الرجل المناسب لهذه المهمة؛ نظراً لأنه خطيب متمكن، ومن ثم لن يجد صعوبة في ضم الجماعات الإسلامية إلى صفه. وفي هذا الإطار، توجّه بنكيران في الثامن من أبريل الجاري، بخطاب ذي صبغة أبوية إلى شباب حزب العدالة والتنمية، داعياً إياهم إلى “نسيان فصل رئاسة الحكومة الذي مروا به” والتركيز على بناء مستقبل الحزب.
علاوة على ذلك، أفاد بنكيران: “لقد خسرنا الشوط الأول، ولكن لا يزال أمامنا طريق طويل، ودورة الحياة مستمرة. يجب أن يدرك كل المواطنين المغربيين أننا لم نخسر شيئاً”.
في الوقت ذاته، وبالنسبة للعديد من أعضاء حزب العدالة والتنمية، فسيكون المؤتمر الوطني للحزب، المزمع عقده الصيف المقبل، بمثابة “ولادة جديدة”.
صديق الملك انتصر وهزم بنكيران
ما إن تأكد خبر قبول العدالة والتنمية المغربي انضمام حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للائتلاف الحكومي المرتقب، حتى تحولت الشبكات الاجتماعية إلى ساحة احتجاج لأنصار الحزب الإسلامي المنتصر في الانتخابات وبعض من قيادييه، رافضين ما حصل، ومطالبين رئيس الحكومة سعد العثماني بالسير على نفس خطى سلفه عبد الإله بنكيران الذي تمت إقالته بسبب رفضه القاطع التحالف مع الاشتراكيين.
وحصل حزب الاتحاد الاشتراكي على 20 مقعداً في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 7 أكتوبر 2016، فيما حصل العدالة والتنمية على المرتبة الأولى بـ 125 مقعداً، لكن زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش المقرب من الملك محمد السادس أصرّ على إدخاله في التحالف الحكومي وهذا ما رفضه بنكيران.
ابنة رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، الذي أقاله الملك محمد السادس بعدما رفض الخضوع لمطالب التحالف مع حزب الإتحاد الاشتراكي، كانت من أبرز المحتجين، إلى جانب قياديين آخرين بارزين في الحزب وأبنائهم، حيث وصفت ما وقع بـ”نقض العهد”.
غير أن العثماني لم يهتم بكل تلك المعارضة، فأعلن السبت 25 مارس/أبريل 2017 الوصول إلى اتفاق لتشكيل الحكومة مع 5 أحزاب أخرى من بينها الاتحاد الاشتراكي، الذي قال عنه سابقاً عبد الإله بنكيران إن اسمه “لن يكون عبد الإله إذا دخل للحكومة”.
حزن في بيت العدالة والتنمية
أمينة ماء العينين، النائبة البرلمانية والقيادية في حزب العدالة والتنمية، كانت من أبرز الذين أبدوا غضبهم من قبول التحالف مع الاتحاد الاشتراكي، ونشرت بخصوص ذلك تدوينات عبر حسابها الخاص على فيسبوك.
وقالت في إحدى تلك التدوينات قبل الإعلان الرسمي عن التحالف إنها حزينة، مهنئة “من يستطيع كتم مشاعره والتعبير بأسلوب مغاير”.
وقالت في تدوينة أخرى بعدها أنها تلقت الكثير من الاتصالات على إثر ما كتبته، من أشخاص طالبوها بحذف ما كتبته وآخرين شجعوها ودعموها، لكنها قررت عدم حذفها “لأنها تدوينة صادقة وإنسانية”.
وفي تدوينة ساخرة، قارنت حزب الاتحاد الاشتراكي بالقطة التي قبلت بأن يُربيها ابنها في المنزل رغم نفورها من القطط طيلة حياتها، “فمادمت قد قبلتها فإن ما تبقى سيكون سهلاً ويسيراً”، في إشارة إلى دخول الاتحاديين للحكومة إلى جانب حزبها العدالة والتنمية.
الوطني في حزب العدالة والتنمية في تصريح لـ”هافينغتون بوست عربي” لحظة إعلان الأغلبية الحكومية الجديدة، بـ”المؤسفة، والمأثم حقيقي، خاصة أن الإعلان تم في مقر حزبنا”.
وأضاف: “مع الأسف تم إجهاض الحلم الجماعي للمغاربة في تشكيل حكومة سياسية تعكس إرادتهم التي عبروا عنها في انتخابات 7 أكتوبر2017، ونحن اليوم إزاء إعطاب لمسار الانتقال الديمقراطي وتبخيس للإرادة الحرة للمغاربة”، على حد تعبيره.
واعتبر حمورو أن “هذه الأغلبية يراد من خلال مكوناتها محاولة الإنهاء السياسي لعبد الإله بنكيران، ولكنهم سيفشلون لأنه غرس روحاً جديدة تسري بين الناس تنادي بالكرامة والعدالة الاجتماعية”.
وقال أيضاً: “الأكيد أننا أمام مرحلة جديدة تتطلب اجترار أطروحة نضالية كفاحية تنخرط فيها كافة القوى التواقة إلى الديمقراطية الحقيقية من أجل حماية الانتقال الديمقراطي، واستعادة المبادرة في أسرع وقت ممكن”.
ولم يتوقف حمورو عن نشر تدوينات منذ الساعات الأخيرة من يوم السبت تعبر عن رفضه انضمام الاتحاد الاشتراكي للحكومة، معتبراً أن “جهات عليا فرضت على سعد الدين العثماني حكومة أجهضت حلم المغاربة وعكست إرادتهم الشعبية التي ترجمتها صناديق الاقتراع”.
ابنتا رئيس الحكومة والوزير
سمية بنكيران، نجلة رئيس الحكومة المقال، كانت أيضاً من الرافضين للتحالف، وهاجمت بشكل قاس قيادة حزب أبيها، قائلة في تدوينة سابقة عبر حسابها على فيسبوك إن “ما يقع اليوم بين جنبات مقر الحزب هو نقض للعهد وهدم لخط مناهضة الفساد والتحكم، الذي جعلناه شعاراً وبذلنا من أجله المواقف والتضحيات”.
ابنة بنكيران، أكدت في تدوينتها التي حذفتها بعد إثارة الجدل أن “التضحيات هي التي جعلت حزبنا حزب الشعب وصوته العميق”، قبل أن تهاجم أكثر قياداته: “أولئك المداهنون المتساقطون، المطبلون والمزمرون بعباد المناصب ولي الريح لي جات تديه.. أقول لهم خسئتم وخبتم وخاب مسعاكم”.
وأنهت كلامها بالإشارة إلى أنه “في نهاية المطاف تذهب المناصب وتبقى المواقف، والحمد لله مشينا فالعز”، في إشارة إلى عدم قبول أبيها للتحالف مع الاتحاديين رغم كل الضغوطات.
رأي سمية بن كيران لم تخالفه دعاء بوليف، ابنة نجيب بوليف، القيادي والبرلماني والوزير السابق عن حزب العدالة والتنمية، حيث قالت عبر حسابها على فيسبوك في تدوينة حذفتها لاحقا “إنها ستعتزل السياسة بعد لحظة الإعلان عن الأحزاب التي ستشكل الحكومة”.
صلح الحديبية
وعلى عكس من رفضوا قبول حزب العدالة والتنمية دخول حزب الاتحاد الاشتراكي، شبه سليمان العمراني، القيادي ونائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المشاورات الحكومية بـ”صلح الحديبية”.
ويرى المحلل السياسي مهدي الإدريسي، في تصريح لـ”هافينغتون بوست عربي” إن “التصريحات الصادرة من أعضاء حزب العدالة والتنمية متوقعة، إلا أنها ستهدأ لأن قرار مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة اتخذ ولا رجعة فيه، والمرحلة المقبلة هي تحمل هاجس الاستوزار أكثر من أي شيء آخر”.