الرباط-سناء الجدني
صوت مجلس النواب أول أمس الثلاثاء، في جلسة عمومية بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب، وسط شد وجذب بين الحكومة والمعارضة حول مجموعة من البنود، حيث امتدت الجلسة العمومية لساعات طويلة رفضت الحكومة فيها عددا من التعديلات التي طالبت بها فرق المعارضة البرلمانية، خاصة مسألة بدء الإضراب بعد إخطار المشغل بالملف المطلبي.
وقال وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، إن موضوع “الأجر مقابل العمل” يطرح إمكانية قيام النقابات بتعويض المضربين، مشيرا إلى أن “هذا أمر يمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار في ضوء وجود استعداد حكومي لدعم هذا التوجه خارج مشروع القانون التنظيمي هذا، وفي إطار قانون النقابات القادم”.
وأضاف الوزير ذاته أنه “في ما يتعلق بأجل خوض الإضراب بعد إخطار المشغل فإن غالبية دوافع الإضراب لا تكون من خلال الملفات المطلبية، بل بسبب رفض المشغل الجلوس إلى طاولة التفاوض، ولذلك استجابت الحكومة لإمكانية تخفيض هذه المهلة من شهر إلى عشرة أيام خارج الإضرابات المتعلقة بالملفات المطلبية، وإلى ثلاثة أيام في ما يتعلق بالإضرابات المعلنة على ضوء قضايا خطر الحال”.
وفي هذا الصدد تواصلت “24 ساعة”، مع رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، والتي أكدت أنه بمناسبة تقديم المجلس لمذكرته الحقوقية حول مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، يسمح الحق في الإضراب، وأضافت المتحدثة، أنه بتمكين الموظفين والأجراء من الدفاع المشروع عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية وأن تحظى حقوقهم دوما بالأولوية داخل الأماكن والفضاءات التي يشتغلون بها.
وأوضحت أمينة بوعياش، أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كان قد دافع في مذكرته التي قدمها إلى رئيس مجلس النواب على ضرورة توفير كافة الشروط والضمانات التي تجعل اللجوء إلى الإضراب فعلا استثنائيا، عن طريق ضمان شروط العمل الملائمة وتعزيز مناخ الثقة بين المشغلين، ولفتت بوعياش أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في ظل قراءته لمقتضيات مشروع القانون التنظيمي المحدد لشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، أكد أنه لا يجوز فرض عقوبات جنائية على أي عامل بسبب مشاركته في إضراب سلمي، فهذا سيتعارض بشكل مفرط مع حقوق الإنسان خاصة إذا كان الإضراب سلميا ومشروعا.
وشددت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، على أولوية احترام العمل الداخلي واستقلالية النقابات في الإعلان عن الإضراب وحذف أي مقتضى في نص مشروع القانون التنظيمي الذي من شأنه أن يجبر النقابات على الإعلان عن أي تاريخ أو مكان لجمع عام قبل انعقاده أو الإفصاح عن أي معلومات خاصة بالأجراء مرتبطة بإعداد محظر اجتماع جمع عام، مضيفة أن إجبارية إبلاغ المشغل وإدخال أطراف أخرى في هذا الشأن لا ينسجم إطلاقا مع مبادئ الحرية النقابية، التي يكفلها الدستور والمواثيق الدولية وفيه انتهاك لحرية النقابات، التي تعلن عن الإضراب وفقا لقرارات مجالسها وأجهزتها، كما تملي ذلك استقلالية عملها وديمقراطيتها الداخلية.
ومن جهة أخرى، تحدتث الجريدة مع النائبة البرلمانية لحزب التقدم والاشتراكية، نادية التهامي، والتي أكدت أن إخراج هذا القانون له أبعاد مجتمعية مؤكدة، حيث يجب أن يكلل هذا المجهود الجماعي الكبير بنص متقدم حقوقيا، بما من شأنه أن يشكل لبنة أخرى في بناء مسارنا الديمقراطي، نص يضمن من خلال إعمال الذكاء الجماعي، ذلك التوازن الضروري بين مصلحة المرفق العمومي والمقاولة المواطناتية المسؤولة، وبين مصلحة المجتمع ككل.
وأضافت التهامي في ذات التصريح، أن هذه المهمة صعبة ومركبة، موضحة أن فريق التقدم والاشتراكية، قدم مجموعة من التعديلات الجوهرية من أجل تجويد المشروع، استنادا إلى مقاربة حقوقية، وإلى نص الدستور وروحه، وكذا الالتزامات الدولية للبلاد.
ولفتت النائبة البرلمانية في حديثها إلى الفصل 29 من الدستور الذي ينص على أن حق الإضراب مضمون، كما يحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته، لذلك فالأصل في عملنا هذا هو تأطير ممارسة حق أصيل، وليس تكبيله بمقتضيات تعجيزية.
وفي الصدد نفسه تقول التهامي : إنه عوض اللجوء إلى الاقتطاع من الأجور، بسبب الإضراب، يتعين أن نعطي الأولوية إلى التعويض بالساعات الاستدراكية، أو خصم أيام الإضراب من العطل السنوية، أو إلى أي آليات بديلة متفق عليها، وكذلك تأهيل السلطات العمومية المعنية خلال سريان الإضراب، لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية الإضراب والمضربين.
وتختم نادية التهامي تصريحها، أنه لا بد من التأكيد على أن إخراج قانون تنظيمي للإضراب يجب أن يندرج ضمن تعاقد اجتماعي لاستعادة الثقة، ولإشاعة مناخ إيجابي بين كافة المكونات المجتمعية، وفي المرفق العمومي، وفي المقاولة، فهذه المرحلة تقتضي الحكومة اتخاذ إجراءات قوية من أجل احترام مقتضيات مدونة الشغل الواجب مراجعتها، إلى جانب إخراج قانون النقابات، مع ضرورة مراقبة التصريح التام بالأجراء، ومحاربة اقتصاد الظل غير المهيكل.
ولتسليط الضوء على الجانب القانوني تواصلت قال حمد الحسني، محامي بهيئة القنيطرة،لـ “24 ساعة”، إنه بالنسبة لمشروع قانون الإضراب الجديد بالمغرب والذي يعتبر من المواضيع الحساسة التي خلقت جدلا كبيرا في الآونة الأخيرة، لأنه يتناول بين طياته حقا دستوريا مكفولا للمواطن المغربي، فهو في الأصل يسعى إلى تنظيم حق الإضراب من أجل الحد من الإضرابات العشوائية التي تؤثر بشكل كبير على السير العادي للمؤسسات كما تؤثر أيضا على الجانب الاقتصادي للبلاد، لكننا في النهاية نرى أن القانون الجديد يحمل مجموعة من الإيجابيات والسلبيات كذلك، ونجاحه يعتمد بشكل أساسي على مدى وكيفية تطبيقه بشكل عادل وشفاف لتحقيق التوازن بين حماية حق الإضراب، وضمان استقرار الاقتصاد والخدمات العامة، وهذه النظرية يمكن تعزيزها من خلال الحوار بين النقابات والحكومة لضمان قانون ينظم الحق وليس بتقييده.