يقيم خبراء نتيجة الانتخابات البلدية في تركيا بأنها هزيمة لحزب العدالة والتنمية الحاكم. وفي المدن الكبرى تراجع موقعه لكن داخل حزب أردوغان تسود نظرة أخرى مع الإشارة لزيادة في أصوات الحزب مقارنة بالانتخابات السابقة.
والسبب الرئيسي وراء النتيجة السيئة، كما يقول براكيل، هو الوضع الاقتصادي السيء في البلاد: “حزب العدالة والتنمية يحاول تهميش الموضوع، لكن هذا لا ينجح؛ فالركود أصاب حالياً أيضا شرائح كبيرة من الطبقة الوسطى. والمواد الغذائية زادت أسعارها كثيراً. كما يبتلع التضخم أجزاء كبيرة من الرواتب”. ويوضح مدير مكتب مؤسسة هاينريش بول في إسطنبول أن موضوعات مثل محاربة الإرهاب تلعب في المقابل دوراً هامشياً ويقول: “حزب العدالة والتنمية يحاول منذ سنوات دفع هذا الموضوع إلى الأمام، بيد أنه تدحرج إلى الخلف في إدراك الناس”.
نائب حزب العدالة والتنمية، مصطفى ينروغلو يفسر نتيجة الانتخابات التي شارك فيها 84 في المائة من الأتراك في صالح حزبه. فهذا الرجل البالغ من العمر 43 عاما والذي ترعرع في ألمانيا يقول: “أولا يجب ملاحظة أن حزب العدالة والتنمية جنى لوحده أصوات أكثر من المعارضة. كما حصلنا على أصوات أكثر من الانتخابات البلدية الأخيرة في 2014، وكسبنا تقريبا الأصوات التي حققناها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة العام الماضي. وإذا ما تحدثنا عن خسارة في الثقة تجاه أردوغان، فيجب ببساطة القول بأن الأرقام تعكس نتيجة أخرى”. ويضيف هذا الرجل أنه رغم “المشاكل الكبرى” التي تعاني منها حاليا تركيا، فإن حزب العدالة والتنمية فاز بالانتخابات.
مشاكل أمام المعارضة
وفي الحقيقة جنى حزب العدالة والتنمية في “التحالف الشعبي” القائم مع اليمين المتطرف تقريبا 52 في المائة من الأصوات. ويفسر كريستيان براكيل شعبية حزب أردوغان بأن “الكثير من الناس لا يرون بديلا لحزب العدالة والتنمية”. فمن جهة هذه قضية هوية. وهذا يعني أنه إذا كان الشخص متديناً ومحافظاً، فلا تقدم له الأحزاب الأخرى بدائل. وبالنسبة إلى الناس الذين يعيشون في المناطق الريفية، يبقى وعد الرفاهية لحزب العدالة والتنمية قائماً.
أما جمال بوزوغلو، النائب عن حزب الخضر في برلمان ولاية بافاريا الألمانية فيرى سبباً آخر وراء كسب حزب العدالة والتنمية هذا العدد الكبير من الأصوات. فالرجل البالغ من العمر 58 عاما سافر إلى تركيا لمراقبة الانتخابات ويقول: “كل وسائل الدولة يتم وضعها رهن إشارة الحزب الحكومي أو مرشحيه، والمشهد الإعلامي موجه بـ 80 في المائة من الحكومة”. وفي هذا الوضع، كما يقول بوزوغلو، لا يمكن بالطبع التحدث عن “انتخابات ديمقراطية حرة”.
ووفد المراقبين من المجلس الأوروبي يشاطر جزئياً تحفظات بوزوغلو. ففي تصريح مكتوب أعلنت المجموعة، التي تابعت الانتخابات الأحد في نحو 140 مركزا انتخابيا في سبع مدن على الأقل: “من أجل انتخابات ديمقراطية هناك حاجة إلى المزيد من بينها حرية التعبير وحرية الصحافة”. كما أنه من المشكوك فيه أن تكون “جميع الأحزاب قد حصلت على فرص متساوية. فهناك نقص في ثقافة انتخابية حرة ونزيهة للتحدث عن تصويت بمستويات أوروبية”.
وبالفعل يبدو الوضع جد صعب بالنسبة إلى المعارضة. فحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد أعلن في مستهل الانتخابات أن أكثر من 700 من موظفي الحزب والأنصار تعرضوا للاعتقال. وأكثر من 100 يتواجدون في الحبس الاحتياطي. لكن مصطفى ينيروغلو من حزب العدالة والتنمية يرد بالقول بأن جزءً كبيراً من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي يعلنون عن تعاطف واضح مع حزب العمال الكردستاني المحظور.
أردوغان مهموم
وفي خطابه التقليدي من شرفة قصر الرئاسة في أنقرة بدا الرئيس، الواثق من نفسه عادة، مهموماً. ورجب طيب أردوغان شدد بالفعل أمام آلاف الأنصار المهللين على الزيادة في مجموع الأصوات لحزبه، ومن جهة أخرى كان هناك أثر لانتقاد ذاتي في تحليل الرجل القوي في الدولة، الذي أوضح أنه لم يتم الترويج بصفة جيدة “لنجاحات” الحزب، ووجب بالتالي التفكير في “الأخطاء”.
ويعتقد خبير شؤون تركيا كريستيان براكيل أن أثر نتيجة الانتخابات البلدية لن تضيع على المستوى المحلي ويقول: “النتيجة مهمة بشكل خاص لشبكات المصالح بالحزب، حيث يتم الإعلان عن المناقصات العامة وتوزيع الوظائف، وبالتالي فإن حزب العدالة والتنمية يضمن لنفسه الحصول على دعم المواطنين، وقبل كل شيء، دعم رجال الأعمال”.
فما هي العواقب التي سيستنتجها أردوغان وقيادة الحزب، هذا ما ستكشفه الأسابيع المقبلة. وإلى حد الآن يبدو شيءٌ واحدٌ مؤكداً، فبعد الانتخابات لدى أردوغان وحزبه ما يكفي من الوقت للتفكير في الخطوات المقبلة. والانتخابات المقبلة ستكون بعد أربع سنوات، وهذا غير معتاد في بلد شهد في السنوات الست الماضية سبع انتخابات، من بينها استفتاء على الدستور.