خلفت المعاملة ذات الطابع العنصري التي خص بها مشجعون اللاعب الدولي السنغالي، مدافع نادي نابولي الإيطالي، كاليدو كوليبالي، خلال المباراة التي جمعت فريقه يوم الأربعاء المنصرم، بنادي (إنتر ميلان) على ملعب الأخير، حملة تضامن واسعة داخل وخارج السنغال.
فقد شهدت مباراة الفريقين التي جرت على ملعب سان سيرو، وانتهت بخسارة نابولي (0-1)، توجيه مشجعي الفريق المضيف “صيحات عنصرية” تجاه اللاعب الدولي السنغالي، أعادت للواجهة “سلوكا مقيتا” دأب اللاعبون ذوو البشرة السوداء على التعرض له في الدوريات الأوروبية على الخصوص، في وقت يفترض فيه أن الروح الرياضية سيدة الموقف في هذه المنافسات.
ورغم أن رابطة الدوري الإيطالي لكرة القدم، عاقبت بعد يوم واحد من الحادثة، نادي (إنتر ميلان) بإقامة مباراتين على ملعبه دون جمهور بسبب الصيحات العنصرية تجاه كوليبالي خاصة، إلا أن ذلك لم يحل دون اتساع رقعة التضامن الذي حظي به اللاعب سواء من “زملائه في الحرفة”، أو المسؤولين عن القطاع الرياضي في بلاده، وكذا تعاطف مواطنيه السنغاليين وغيرهم.
وكان من أولى ردود الفعل المتضامنة مع كوليبالي، تلك الصادرة عن نجم فريق (يوفنتوس) الإيطالي، كريستيانو رونالدو، الذي كتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي “لا للعنصرية ولجميع الإهانات والتمييز العنصري”.
التضامن مع كوليبالي جاء أيضا من رفاقه في المنتخب الوطني السنغالي، حيث عبر زميله اللاعب الدولي في نادي (رين) الفرنسي، إسماعيلا سار، عن دعمه لمواطنه، مبرزا أن العنصرية “لا مكان لها في كرة القدم ولا في الحياة اليومية”.
بدوره، نشر عميد المنتخب السنغالي ولاعب فريق (ليفربول) الانجيلزي، ساديو ماني، صورة لزميله عبر حسابه الشخصي على (إنستغرام)، وعلق عليها بالقول “أشعر بالمرارة لما واجهته يا كوليبالي.. أنا أعرفك جيدا وأعلم أن هذه الأفعال البغيضة لن تنال منك مطلقا”.
ساديو ماني قال أيضا “نحن فخورون بعرقنا وسنواصل الدفاع عنه كما ندافع عن قميص منتخب بلادنا”. وأضاف متوجها بالحديث لكوليبالي “لقد ذكرت العالم بأن الهوية البشرية لا يمكن تجزئتها”.
هذا الفخر بالبشرة السوداء عبر عنه كوليبالي نفسه في عبارة نشرها على حسابه على (تويتر وفيسبوك) حين قال “أنا فخور بلون بشرتي. وبكوني فرنسيا وسنغاليا ومنتميا لنابولي”.
ولقيت هذه العبارة آلاف نقرات الإعجاب والتعليقات المتعاطفة من لدن رواد مواقع التواصل الاجتماعي الإيطاليين أساسا، من قبيل “أنت قوي يا كوليبالي.. وستتجاوز هذا الأمر”، “كل الشرف للون بشرتك.. أنت بطل”.
واحد هذه التعليقات كتبته فتاة تحمل اسم كاترينا موري، تقول فيه باللغة الإيطالية ما معناه “أنا لست من مشجعات الفريق. لكنني بحثت عن صفحتك (على فيسبوك) فقط لأعتذر عما وقع من صيحات دنيئة. أنت فخور بما أنت عليه وتقوم بعمل جيد. ومن قاموا يهذا السلوك يجب أن يخجلوا من أنفسهم”.
وعلى موقع (يوتيوب)، انبرى عدد من مستخدميه، ولاسيما من السنغاليين، للتعبير عن تضامنهم مع كوليبالي عبر تعليقات على مختلف المقاطع التي تناولت واقعة “الأربعاء الأسود”. معلق يدعى أوسمان كييتا كتب يقول “كن دائما قويا أخي، إنهم يريدونك ضعيفا، ويريدون أن يخفضوا معنوياتك وأدائك. واصل إمتاعنا كما العادة. أسود البشرة وأفتخر”.
سوخنا خادي لو كتبت في تعليق مماثل تقول “أنا زنجية. وأفتخر بهذا الاسم كما أفتخر بالدم الذي يسري في عروقي”.
التضامن “الشعبي القوي” مع كوليبالي وجد صداه في أروقة الهيئات والجهات الرسمية في السنغال التي جاء ردها على الصيحات العنصرية “حازما”.
وفي هذا الصدد، نددت الفيدرالية السنغالية لكرة القدم “بشدة” بهذه الصيحات العنصرية. وعبرت في بيان نقلت مضامينه وكالة الأنباء السنغالية، عن كامل تضامنها ودعمها للاعب المنتخب السنغالي، قائلة إنها تترقب من الفيدرالية الإيطالية والهيئات الدولية لكرة القدم “تدابير ملائمة تمكن من نبذ هذه السلوكات في كل ملاعب كرة القدم”.
وزير الرياضة السنغالي، ماطار با، من جهته، وجه رسالة دعم وتشجيع للاعب كولبالي، قائلا “كما هو الشأن بالنسبة لجميع مواطنيك، أريد أن أنضم إلى زخم التعاطف المجمع عليه لأعبر لك عن تضامني وتأثري بالسلوك العنصري الرجعي الذي وقعت ضحية له”.
وأكد الوزير في رسالته التي نشرتها وكالة الأنباء السنغالية أن كوليبالي “أبان عن نضج وحنكته وكرامته وهدوئه. رد فعله يشرف المجتمع الرياضي الوطني والإفريقي والدولي”، مضيفا بالقول “في هذا العالم، لم يعد هناك مكان للسلوكيات المعادية للقيم من قبيل العنصرية”.
وجدد مطار با بالمناسبة للاعب الدولي “دعمه الموصول” لما يقوم به “باعتباره عنصرا مرموقا في المنتخب الوطني لكرة القدم، ومن ثم، حاملا للواء ومرجعا لكل الشباب”.
يشار إلى أن حادثة الصيحات العنصرية خلفت ردود فعل على مستوى عال في إيطاليا أيضا. ويبرز ذلك جليا في موقف رئيس الحكومة الإيطالية، جوزيبي كونتي، الذي اعتبر أن توجيه مشجعي (انتر ميلان) “صيحات عنصرية” تجاه كوليبالي أمر “خطير جدا”، وأن ثمة حاجة إلى “رد فعل قوي من الجميع”.
وقال كونتي خلال مؤتمر صحفي الجمعة المنصرم، “أنا مع توجيه رسالة قوية تصل الى حد التوقف المرحلي للدوري من أجل القيام بعملية تأمل مثمرة للمشاركين (…) لكنني أترك القرار للسلطات المختصة”.
وكان مدرب فريق نابولي، كارلو أنشيلوتي، هدد بأن فريقه سينسحب من المباريات، إذا تكررت الهتافات العنصرية التي تعرض لها مدافعه، فيما قال مدرب (انتر ميلان)، لوتشانو سباليتي، إن الوقت حان “لنقول كفى للصيحات العنصرية والتمييزية”، مضيفا “أدين بشكل كامل الأحداث التي جرت”.