الرباط-عماد مجدوبي
لم يكن يتوقع أحد أن يتحول العداء الشخصي الشديد الذي جمع الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، محمد نبيل بنعبد الله، وزعيم الإتحاديين، إدريس لشكر، لمدة طويلة، إلى مصالحة مزعومة، توجت “بتحالف” مشترك، حين استقبل الأول الثاني، أمس الخميس، وأثمر اللقاء بينهما، وفق بيان صدر عنهما، “تشكيل لجنة مشتركة بين المكتبين السياسيين للحزبين قصد تقديم تصور عام حول محاور وبرنامج هذا العمل المشترك”.
ظهرت بوادر التقارب بين الرجلين حين جلس قرب بعضهما البعض، خلال المؤتمر الخامس لليسار الاشتراكي الموحد، قبل حوالي شهر، وإلى جانبهما نبيلة منيب، يطأطئون رؤوسهم على أنغام أغنية ناس الغيوان الشهيرة “الدنيا ساكتات صهيون دارت ما بغات.. صبرا وشتيلا المجزرة الكبيرة”.
منذ ذلك الحين يرى العارفون بخبايا اليسار بالمغرب، أو ما تبقى منه على الأقل، أن الزعيمين “الأخ” و “الرفيق” يخططان لشيء ما، لكن لا أحد كان يتصور أن الأمور ستذهب بهما إلى حد تشكيل تحالف، خصوصاً وأن الإتحاد الاشتراكي، وبأوامر من قيادته، قرر الانسحاب من التنسيق الذي شكلته المعارضة في البرلمان، وضم إلى جانب الاتحاد، كل من التقدم والإشتراكية، العدالة والتنمية والحركة الشعبية، ليؤسس بعد ذلك، وفي سابقة غير معهودة، “المعارضة الاتحادية”.
بدأت خطة لشكر في أن يبقى “معزولا” في المعارضة، غير ذات جدوى، خصوصاً وأنه كان يعقد آمالا كبيرة على تعديل حكومي لم يتم، طمعا في أمجاد الماضي ولو بصورة أخرى. وفق ما كشفت مصادر تعرف جيداً كيف تفكر القيادة الاتحادية الحالية، لجريدة “24 ساعة”.
لكن اتضح أن ما يتم الترويج له كان مجرد كلام، بل ازداد تجانس أحزاب التحالف الحكومي أكثر فأكثر، رغم الملفات المعقدة والثقيلة المطروحة أمامها، مما دفع إدريس لشكر في آخر خروج إعلامي في البرنامج المباشر “ضيف الأسبوع”، على قناة “ميدي آن تيفي”، الأسبوع الماضي، إلى وصف الثلاثي الحكومي (الأحرار، البام، الإستقلال) ب” التحالف المتغول”، وهو المعنى السياسي بلغة لشكر، الذي يعبر عن تماسك مكونات الأغلبية، الذي تسبب في هزالة المعارضة، بل وتقزيم دورها، لذلك لم يكن غريبا أن يدعو لشكر، خلال نفس البرنامج التلفزيوني، إلى “ضرورة بناء جبهة للمعارضة من أجل حماية التوازن المؤسساتي، والمناعة الديمقراطية بالبلاد”، أو هكذا قال.
مصدر عليم من التقدم والاشتراكية، كشف أن طموحات نبيل بنعبد الله، باتت تتقاطع مع نظيرتها لدى لشكر، مستحضرا المقولة الشهيرة “في السياسة لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة”، مبرزا أن المغرب بأغلبيته ومعارضته تنتظره تحديات كبيرة تبدأ من سنة 2024 المقبلة، وهو ما يقتضي جبهة يسارية قوية، قد يتم توسيعها لتشمل مكونات يسارية أخرى مثل اليسار الاشتراكي الموحد.
نفس الفكرة تماماً، يزكيها خبير في شؤون الإتحاد، الذي يرى أن لشكر حين فقد الأمل في الدخول للحكومة، بات تفكيره ينصب على خلق “معارضة فعلية”، لكون “المحطة القادمة تستوجب بناء قطب يساري بغية التنسيق في محطات القانون الجنائي و مدونة الأسرة وتنزيل مقتضيات الدولة الاجتماعية كفكرة ذات حمولة يسارية أكثر منها ليبرالية، وغيرها من القضايا الساخنة في الساحة السياسية، وهذا معناه أن التقدم و الإشتراكية، مجبر أن يفارق بقوة الأشياء، حزب العدالة والتنمية الذي تتعارض توجهاته كحزب محافظ مع بعض هذه القضايا، رغم أن التنظيمين جمعهما شبه تنسيق “هجين” بحكم الفجوة في المرجعيات، لم يكن له أي أثر كبير على المشهد.
فهل يا ترى سيفرز هذا “الزواج الكاثوليكي” بين الاتحاديين ورفاق علي يعتة، مطامح إحياء كتلة وطنية ولو بشكل مصغر، لمواجهة ما يمكن مواجهته؟ أم أنه مجرد تكتيك عابر لن يصمد كثيرا في سياق باتت فيه أحزاب اليسار في العالم تخوض صراعا مريرا من أجل البقاء.