منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن، تحولت التجربة المغربية في مجال التصدي للخطر الإرهابي إلى نموذج يحتذى به عبر العالم، تتقاطر عليه أقوى أجهزة الأمن عبر العالم لطلب خبرته وتعاونه.
استراتيجية المملكة في هذا المجال تقوم على محاور متعددة، على رأسها قوة أجهزته الاستخباراتية التي ساهمت في التصدي لعدد من المخططات ليس فقط داخل المملكة، بل على صعيد دول صديقة وشقيقة بفضل تعاون أمني منقطع النظير.
الحلقة التاسعة:
على غرار أحداث 16 ماي 2003، شهدت الدار البيضاء أحداثا دموية نفذت باستعمال متفجرات وأحزمة ناسفة. كل ذلك رغم التضييق الأمني وسلسلة الاعتقال التي طالت عددا من المشتبه بهم بالانتماء الى الجماعات التكفيرية والتيارات المتطرفة المنضوية تحت ما سمي ب” السلفية الجهادية”، لكن المصالح الامنية أنقذت العاصمة الاقتصادية من حمام دم كان مخططا لتنفيده على موقع حساسة وشخصيات سامية.
فبينما كان الجميع يعتقدون أن المصالح الأمنية وجهت ضربة قاضية لتنظيم السلفية الجهادية، سيتفاجأ البيضاويون بدوي انفجار قوي يهز أحد مقاهي الإنترنت ليلة الـ11 من مارس 2007 بحي سيدي مومن.
لم يكن منفذ الانفجار بحزام ناسف سوى عبد الفتاح الرايضي أحد المحكوم عليهم في تفجيرات الـ16 من ماي 2003، والذي غادر أسوار السجن قبل سنة مستفيدا من العفو الملكي. وتسبب انفجار مقهى الانترنت بسيدي مومن في مقتل منفذ الهجوم وجرح أربعة آخرين. والانتحاري يبلغ من العمر حينها 23 عامًا، وكان يحمل حزاما ناسفا مخبأ تحت ملابسه، فقام بتفجيره، مما أدى إلى مقتله وإصابة رفيقه وثلاثة زبناء آخرين بينهم مالك المحل.
وبعد حوالي شهر، اهتز حي الفرح بمدينة الدار البيضاء على وقع ثلاث عمليات انتحارية يوم الثلاثاء الـ11 من أبريل 2007. بعد أن شهد الحي مواجهة بين عناصر الامن وارهابيين, قام على إثرها 3 انتحاريين بتفجير أنفسهم, واستشهد في الاعتداء رجل أمن الى جانب جرحى من بينهم رئيس الدائرة الأمنية بالمنطقة.
ولم يكن منفذ إحدى تلك العمليات سوى أيوب الرايضي شقيق عبد الفتاح الذي فجر نفسه بمقهى الإنترنت، واعتقلت أجهزة الأمن بعد ذاك عثمان الرايضي شقيق عبد الفتاح وأيوب؛ حيث اتهم بكونه انتحاريا مفترضا.
وخلال التفجيرات الانتحارية نفسها ليوم الـ11 من أبريل اكتشفت أجهزة الأمن كذلك أن أحد الانتحاريين الأربعة هو الانتحاري محمد منطالا الذي قتل على أيدي رجال الأمن وهو يستعد لتفجير نفسه، والى جانبه محمد الرشيدي شقيق أحد المعتقلين في ملف السلفية الجهادية.
بدات العملية بعد اكتشاف مخبأ الارهابيين, فتمت محاصرة المنزل الذي كان أفراد الخلية يستأجرونه، وكان أول من غادره قبيل الفجر هو “أحمد منطلا”، ولما أمرته العناصر الأمنية بالتوقف وإلقاء الحقيبة التي كانت بحوزته رفض واستل سيفا فأطلقت عليه 10رصاصات اخترقت جسده، وكان “منطلا” أول من سيلفظ أنفاسه من بين الانتحاريين الأربعة وذلك في طريق حمله إلى المستشفى حيث سيقضي متأثرا بجروحه.
لعلع الرصاص في الحي في الساعات الأولى من النهار، وطاردت عناصر الامن أحد الارهابيين، وهو يفر نحو سطح المنزل حاملا عى ظهره حقيبة بها متفجرات وغامر عناصر الأمن بحياتهم، وقاموا بمحاصرته لكنه فضل تفجير نفسه على الاستسلام.
استعانت المصالح الأمنية بطائرة مروحية للبحث عن انتحاريين فارين, وسيفاجأ رجال الأمن في حدود الظهيرة من يوم الثلاثاء وبينما هم يطوقون جميع المنافذ والمخارج المؤدية لحي الفرح بحثا عن انتحاري ثالث، بشخص يخبئ وجهه تحت عباءة وقد انسل من بين الجموع البشرية التي كان يعج بها المكان. واقتحم الحواجز وهو يقصد سيارة والي أمن مدينة الدار البيضاء ومسؤولين آخرين مرددا “الله أكبر”، لكن شجاعة عنصر أمن دفعته لمحاولة ايقافه، وكانت المأساة بمقتل رجل الأمن شهيد الواجب بسبب انفجار الانتحاري.
ولم يكن الانتحاري الذي تسبب في مقتله ومقتل رجل الأمن سوى “أيوب الرايدي” المزداد سنة 1975 ب”دوار السكويلة”، وهو الأخ الأصغر لعبد الفتاح الرايدي الذي فجر نفسه يوم 11 مارس الماضي بنادي انترنيت بحي سيدي مومن.
ولم يتوقف مسلسل العمليات الانتحارية، عند يوم الثلاثاء الـ11 من أبريل، بل تكرر الأمر مرة أخرى أربعة أيام بعد ذلك أي 14 أبريل ؛ حين فجر الأخوان محمد وعمر مها المنحدران من حي درب السلطان، نفسيهما أمام القنصلية الأمريكية والمركز اللغوي الأمريكي بالدار البيضاء بشار مولاي يوسف، وقد وقعت العمليتان بنفس الشارع وبفارق ثوان قليلة.
ما ميز تلك الاعتداءات الارهابية أن منفذيها ينتمون لأحياء هامشية وتربطهم علاقة قرابة دموية, وهو المعطى الذي فسر حينها بالحرص الشديد بين الارهابيين لضمان سرية العمليات ومخططاتهم الدموية.
أطلق على منفذي تفجيرات حي الفرح ” خلية الرايضي” نسبة الى زعيمها عبد الفتاح الرايضي، و كشف ممثل النيابة العامة، بمحكمة الاستئناف بسلا خلال اطوار محاكمة باقي اعضاء الخلية، أنهم كانوا ينوون الاعتماد في عملياتهم على مواد جرثومية لها تأثير خطير على الجهاز العصبي للإنسان، حسب ما أفاد به تقرير الخبرة الذي أجراه المختبر العلمي التابع للشرطة على عينة سائل كان مخزنا في منزل أحد المتهمين.
وأكدت النيابة العامة, أن عناصر الخلية وصلوا إلى مرحلة متقدمة من الإعداد والتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية، بعد نجاح التجارب التي أجروها على متفجرات تم تصنيعها يدويا، كما كانوا بصدد استعمال مواد سامة من أجل زعزعة الاستقرار الأمني للمغرب.
وعرض ممثل النيابة العامة, صورا للأشلاء المتبقية بعد التفجيرات التي شهدتها مدينة الدار البيضاء في 11 مارس، وأرقاما عن الضحايا والخسائر المادية التي تسببت فيها هذه التفجيرات، التي تم تنفيذها بعد الحصول على الإمداد المالي اللازم من خلال عملية سطو.
وشدد الادعاء على أن أعضاء الخلية تلقوا تدريبات متعلقة بتقنيات العمل السري، لتنظيم الاتصال في ما بينهم وتفادي الوقوع في قبضة الأمن، كما لجؤوا إلى تنظيم أنفسهم في شكل مجموعات من أجل تجاوز المراقبة، وهو ما تبين حسب الادعاء بعد أحداث 10 أبريل 2007.