محمد شقير
بخلاف تفكيك باقي الخلايا الإرهابية من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية خلال السنوات الأخيرة ، حظيت عملية تفكيك خلية حد السوالم بإقليم برشيد بجهة سطات الدار البيضاء باهتمام خاص من طرف الجهات الإعلامية الداخلية والاجنبية ، وكذابمتابعة قوية من طرف الرأي العام في المغرب نظرا من جهة لتركيبة هذه الخلية الإرهابية التي اتخذت طابعا شبه عائلي يختلف عن تركيبات باقي الخلايا التي سبق تفكيكها في مختلف أقاليم المملكة، ومن جهة ثانية للطابع الاستعراضي التي ميز تنفيذ عملية تفكيك هذه الخلية من طرف مختلف الأجهزة الأمنية المختصة .
فعالية المباغتة الاستباقية في تفكيك خلية إرهابية شبه عائلية
إن زئبقية الخلايا الإرهابية المتمثلة في نشاطها الذي يقوم على السرية يجعل من الضروري اللجوء إلى آليات جد دقيقة لاحتواء هذه الزئبقية التنظيمية للخلايا الإرهابية. فتواصل هذه الخلايا من خلال الأجهزة الالكترونية مع قيادات محلية أو خارجية تتواجد على بعد أميال من المملكة سواء للتشبع بالفكر المتطرف لتنظيمات متشددة أو للمبايعة الافتراضية ، والتحرك ضمن جماعات مغلقة تتكون من أفراد لا يتعدون في الغالب أربعة أشخاص أو أقل ، واشتغال هؤلاء الناشطين في أنشطة غير مهيكلة (فراشة ، مياومون، صناع باعة متجولون… ) والإقامة في تجمعات طرفية ومهمشة يجعل من الصعب تتبع هذه الخلايا ومراقبتها دون الاستناد إلى معلومات استخباراتية جد دقيقة وآنية ومتواصلة تتطلب التنسيق الاستخباراتي بين عدة أجهزة أمنية داخلية وخارجية والعمل اليومي على تحليل هذه المعلومات وتحيينها والمقارنة فيما بينها. وبالتالي ، فقد اعتمدت الأجهزة الأمنية بالأساس لاحتواء هذه الزئبقية التنظيمية على مقاربة أمنية شاملة تتمحور بالأساس على الاستباقية والردع الوقائي. إذ أن فعالية هذه المقاربة تتمثل هي إفشال أي مخطط إرهابي قبل تنفيذه ، وتحديد الوقت المناسب لتنفيذ عملية المباغتة الاستباقية . وقد ظهر هذا بالخصوص في عملية تفكيك خلية حد السوالم .إذ على الرغم من طبيعة تركيبة هذه الخلية كخلية تتكون من ثلاثة أشقاء وشخص رابع يقيمون في تجزئتين متقاربتين بمنطقة شبه قروية ، فقد نجحت الأجهزة الأمنية في إفشال مخططها الإرهابي في وقت اعتبرته جد مناسب من خلال اللجوء إلى المباغتة الاستباقية المتمثلة في التوفر على المعلومات الدقيقة وتوقيت التدخل الأمني . وهكذا عكست تصريحات مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الشرقاوي حبوب هذا المعطى الأمني من خلال إشارته ” بأن تفكيك خلية إرهابية مكونة من أربعة أشخاص، صبيحة اليوم الأحد بمنطقة حد السوالم ضواحي مدينة برشيد، يندرج في إطار الجهود المبذولة من طرف المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني من أجل مكافحة الجريمة الإرهابية والتصدي للخطر الإرهابي، وأن هذه العملية، التي قام بها المكتب المركزي للأبحاث القضائية بناء على معلومات أمنية دقيقة وفرتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، نفذتها القوة الخاصة التابعة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ومتخصصون في الرماية عالية الدقة ومروحية تابعة للدرك الملكي قامت بتمشيط من الأعلى، بالإضافة إلى خبراء المتفجرات وكلاب مدربة للشرطة.” كما أكد مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، “أن التفتيشات وإجراءات البحث المنجزة تحت إشراف النيابة العامة، مكّنت من حجز كميات مهمة من السوائل والمساحيق والمواد المشبوهة والأسلحة البيضاء بالمكان الذي تم التدخل فيه، والتي ستحال على المختبر الوطني للشرطة العلمية والتقنية من أجل إخضاعها للخبرة ومعرفة نتيجتها.” كما كشفت الأبحاث والتحريات أن “اثنين من الأشقاء الموقوفين قاما بزيارات استطلاعية في أماكن متفرقة وأوقات مختلفة، وثقوا خلالها بالصور وبتسجيلات الكاميرا العديد من الأهداف المحتملة لمخططاتهم الإرهابية.”
ولعل عنصر المباغتة والتنسيق المحكم بين عناصر القوة الخاصة وضباط المكتب المركزي، بالتعاون مع الفرقة الجوية والمركز القضائي للدرك الملكي، مكن ، حسب بلاغ المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني من إحباط “مخطط إرهابي وشيك” مما يدل على أن توقيت المباغتة والتدخل كان ضروريا قبل أن يتمكن أعضاء هذه الخلية من تفجير الأهداف المحددة في المخطط. وبالتالي فهذه العملية الناجحة تعكس من جهة مستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي العالي بين مختلف الأجهزة الأمنية المغربية في مواجهة التهديدات الإرهابية من خلال مشاركة المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، إلى جانب المكتب المركزي للأبحاث القضائية وفيلق من القوات الجوية والدرك الملكي. كما يعكس أيضا بأن هذه العملية كانت نتيجة للمتابعة الدقيقة والمستمرة التي انتهجتها الأجهزة الاستخباراتية، حيث تم تعقب المتورطين لفترة طويلة ومراقبة تحركاتهم بشكل محكم، رغم طبيعة الخلية المنغلقة تنظيميا والملتحمة علائقيا و مستوى السرية التي اتسمت بها أنشطتها. وكل هذه الأبعاد تعكس مدى التطور الذي وصلت إليه المنظومة الأمنية المغربية، من حيث التخطيط والتنفيذ واليقظة الاستخباراتية، مما ساهم في تعزيز ثقة المواطنين في أجهزتهم الأمنية، خاصة من خلال الطابع الاستعراضي الذي اتخذته هذه العملية الأمنية.
الاستعراض الأمني و تكريس هيبة الدولة
تميزت عملية تفكيك خلية حد السوالم صبيحة الاحد 26 يناير 2025 بطابعها الاستعراضي الكبير وصفت من بعض المواقع الإعلامية كما يلي : ” عاشت ساكنة جماعة حد السوالم ضواحي الدار البيضاء، اليوم الأحد، لحظات أمنية مثيرة، بعدما أوقفت المصالح المختصة أربعة أشخاص مشتبه في تخطيطهم لعمل إرهابي بالمملكة. فمنذ الساعات الأولى لصباح اليوم كسرت السلطات الأمنية روتين ساكنة حي الوحدة التي كانت تستعد للتسوق من سوق الأحد، حيث نزلت أجهزة المكتب المركزي للأبحاث القضائية (البسيج) بمختلف تلاوينها من أجل توقيف المشتبه فيهم وحجز المواد التي كانت ستستعمل في هذا العمل الإرهابي. طائرة عسكرية تابعة للدرك الملكي تجوب الأجواء، وقناصون فوق الأسطح، وأمنيون بمختلف الأسلحة في الأزقة يحيطون بالمكان، تحسبا لأي محاولة لفرار المشتبه فيهم.” ولعل هذه الاثارة عكستها أيضا وسائل الاعلام التي نقلت صور قناصة فوق الاسطح ، وأمنيون يتسلقون الجدران ، وسيارات مطوقة للتجمع السكني ، وطائرة عسكرية ودرون يحلقان فوق التجمعين السكنيين مما يمكن تفسيره بحرص السلطات الأمنية بعدم ترك أي مجال لتحرك نشطاء الخلية أو محاولتهم اللجوء إلى تنفيذ أي فعل خاصة وأن هناك معطيات تدل وفق بلاغ للمكتب المركزي للأبحاث القضائية ، بأن المشتبه فيهم قاموا، في يوم واحد، بارتياد أربعة محلات لبيع العقاقير بمنطقة حد السوالم، اقتنوا منها مواد كيميائية أولية تدخل في صناعة المتفجرات، قبل أن يعمدوا إلى تخزينها بمنزل أحدهم وتحضيرها للقيام بعمليات تجريبية لصناعة الأجسام المتفجرة.” لكن إلى جانب هذا البعد الأمني ، فإن هذا الاستعراض الأمني يذكر إلى حد بعيد بما سبق أن قام به المدير العام لمراقبة التراب الوطني حميد لعنيكري بعد عملية تفجيرات الدارالبيضاء في 16 ماي 2003
حيث عمد إلى استعراض ما سمي أنذاك بالقوة الأمنية الموحدة ( التي نعتت بكرواتيا) والتي كان الهدف منها بالأساس تكريس هيبة الدولة والتأثير في الأذهان من خلال نشر الإحساس بالأمن. ولعل هذا المعطى هو الذي تم التركيز عليه في منطقة شبه قروية لا تتوفر لحد الآن على مفوضية للشرطة حيث ما زالت لحد الآن تابعة أمنيا لجهاز الدرك الملكي . ولعل هذا ما انعكس من خلال إشادة ساكنة هذه الأحياء الطرفية بأداء قوات الأمن: و شكرها على مجهوداتها. بعدما” نزلوا من الأعلى وطوقوا المكان بشكل احترافي. شعرنا بالأمان بعد تدخلهم.” يقول واحد من الساكنة وختم أحد السكان خاتما قوله: “نطالب بزيادة تواجد الشرطة في المنطقة. الأمن ضروري، ونحن نرى عمليات السطو تحدث يومياً. نحتاج إلى تعزيز أمني مستمر لحماية السكان.”
لكن بالإضافة إلى هذا البعد التأثيري الذي يقوي الحضور القوي للقبضة الأمنية للدولة المركزية في أذهان ساكنة شبه قروية تنتمي إلى تركيبة اجتماعية ما زالت تشكل المشتل الأساسي لتفريخ الخلايا الإرهابية والمتشددة في مختلف مناطق المملكة ، فيبدو أن نقل صور هذه العملية عبر وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية بكل ما رافقها من لوجستيك أمني يستهدف بالأساس التركيز على ترسيخ منطق الدولة الأمني الذي يقوم على احتكار الدولة لوحدها للعنف المشروع . حيث تعتبر الدولة في المغرب من أكثر الدول حرصا على تفردها بهذا التمركز ، حيث عملت منذ قرون على استفرادها باستعمال السلاح و تجريد مختلف مكونات مجتمعها القبلي من السلاح . وبالتالي فقد شكلت تفجيرات الدارالبيضاء من طرف أفراد جماعة ارهابية مسا خطيرا بمنطق احتكار العنف المشروع، جعل أجهزة الدولة الاستخباراتية والامنية لا تتوانى في ملاحقة وتفكيك كل الخلايا التي تحاول تبني نفس النهج ولو بمواد ما زالت بسيطة وبدائية.