للتعريف بعادات وتقاليد القبائل الصحراوية بالأقليم الجنوبية للمملكة، تنشر جريدة “24ساعة” سلسلة حلقات من إعداد محمد فاضل أحمد الهيبة الباحث في الثرات الصحراوي، تضم مختلف المواضيع في العديد من المجالات والتي لها علاقة بتاريخ وحاضر المنطقة الجنوبية للمملكة.
الحلقة الاولى:
“الآتاي عند أهل الصحراء”
نهار أرمضان الأول ” گابظني آدواخ ” والمعنى عند أهل الصحراء : أحس بوجع الرأس الشديد ولايمكن أن يشفيه سوى كأس من الشاي عند الإفطار بعد آذان صلاة المغرب .
والآتاي له قُدسية ليست لغيره في مجتمع البيظان ، تبدأ بإختيار أجود أنواعه في السوق العالمية قبل إستيراده ومن ثم تأتي جودة المياه ويعتمد أهل الصحراء على الغدير بعد غليه ( ماء المطر ) ثم الجمر بدل إستعمال الغاز .
ولأن الشاي على رأس المرحبين بالضيف في جميع المناسبات والأفراح تُسند مهمة إعداده لأحد الافراد وفق مواصفات معينة أهمها أصوله الطيبة وبلاغة الحديث ودماثة الخلق وجمال المظهر .
ولاتحلو المجالس الا بتوسط صينية الشاي لها ، فيطرب لرؤيتها المتسامرون وتدوم تلك الجلسات لساعات ولاتنتهي الاّ بشرب ثالث الكؤوس ، يقول القاضي الشاعر الشيخ عبد السّلام الشام :
وشاياً تعاطيتم فطابت به نفسي # وطابَ به النادي وطيّبَ للكأسِ
فطُوبى لكاسات تُدار عليكم # وطوبى لكم عند التفرّدِ في الانس
وتاريخ الشاي بالصحراء يرجع الى القرن التاسع عشر حيث كان التجار يستقدمونه الى الاسواق الشهيرة بوادنون وتيندوف وأطار من الصويرة جنوب غرب المملكة وتحج اليه القوافل خصيصاً لجلبه ، وقد وصل عبر جزر الكناري في بدايات القرن العشرين للداخلة والعيون ، وبدأ تجار الصحراء يستوردونه من الصين مباشرة منتصف القرن الفائت .
وقد تلقى مجتمع ” البيظان ” هذا الوافد الجديد بتحفظ شديد بداية حيث أثار نقاشا واسعا بين صفوف الفقهاء الذين لم يعرفوا كؤوس الشاي من قبل، فكانت الأكثرية تراه حراما لا يجوز شربه ولا بيعه ولاشراؤه، وكان أقلهم تشددا ينشد مع الشاعر الحساني قوله:
يولاد الناس المعولومين = = لا تفن لعمار افذ الصور
كاس الجهل امحال فالدين = = ؤكاس أتاي اعل المال اغرور
وشيئا فشيئا بدأ أهل الصحراء يتقبلون هذا الوافد الجديد وهو يدخل البيوت الواحد تلو الآخر، فلم ينقض العقد الرابع من القرن الماضي حتى كانت كؤوس الشاي تدار في جميع البيوت ، وأصبح جزء لا يتجزأ من حياة هذا المجتمع كما أصبح جزء من إكرام الضيف الذي عرف هذا المجتمع بالحرص عليه وبذله في سبيله الغالي والنفيس، وقد أحب اهل الصحراء الشاي وتعلقوا به فتفننوا في أناقة وتزويق أدواته، وفي اختيار ندمائه ، وفي طريقة إعداده ، إلى غير ذلك مما يعكس شدة تعلقهم بهذا الوافد الجديد ، وزادت الكمية المستوردة الآن بشكل كبير ويحرص التجار على توفير أفضل انواعه 41022 / 9371
تلبية لذوق المستهلك.
شكلت ثقافة الشاي أهمية بالغة في المجتمع وارتبطت ارتباطاً وثيقا بالحياة اليومية ، حيث تجتمع الاسر حول ” طبلة أتاي” الصينية ثلاثة الى اربع مرات يومياً ، وتتميز طبلة الاتاي بكؤوسها الصغيرة المميزة عن الكؤوس الاخرى الخاصة بالشرب وحتى الاواني المرافقة أبدع الصانع التقليدي المحلي في اخراجها وتطويرها بحلل جديدة كل مرة .
وتزداد أهمية الشاي ومجالسه الآسرة في رمضان ، حيث تُعقد المناظرات الشعرية والادبية ومستملحات الحكايات بعد صلاة التراويح وحتى قبل طلوع الفجر بوقت قليل ، يقول العلامة يحجْبُ بن خطري :
هذا الأتايُ يُزيلُ همَّ الأنفسِ # وبه يُبادر للقرِيض المُحتسِي
فحُبابُهُ فوق الكؤُوس كأنّه # دُرٌ تناثر أو عيون النّرجِسِ