فاطمة النهاري – باريس
قررت يوما بعد أن وجدت صورتي على مقال في موقع أن أضعها على صفحتي الشخصية وقد امتنعت عن ذلك لسنين عديدة. ما صدمني هو ردود أفعال المعلقين بين معجب وناقم وطالب للزواج ومغازل وشاتم وناصح، استغربت الأمر فتساءلت هل العيب في وضع الصورة أم العيب في ردود أفعال الذكور؟ هل هم مجبرون على التعليق وإبداء رأيهم بي؟ قررت أن أجوب صفحات النساء المثقفات اللواتي وضعن صورهن فوجدت نفس ردود الفعل بغض النظر عن إن كانت المرأة متبرجة أم لا صغيرة أم كبيرة في السن، قررت بعدها أن أزور صفحات مثقفين ذكور سياسيين وصحافيين مشهورين فوجدت تعليقات أقل من تلك المتواجدة على صور النساء ولم أجد بينها نساءا علقت بجمل من قبل “سبحان من خلقك” أو “هل أنت متزوج؟” أو “عيب أن تنشر صورتك، إتق الله”.
استنتجت حينها أنني كنت محقة عندما تمنيت أن أولد ذكرا في مجتمع ذكوري قرر أن يقيد المرأة بقيود نسبها للدين والعرف والتقاليد، مجتمع جعل من المرأة عورة في، حديثها، فكرها، كتاباتها، صورها وفِي نفس الوقت مجتمع لا يتردد في مغازلتها لإحراجها وتذكيرها أنها ليست إلا لما يعتقد هو أنها خلقت من أجله. عندما كتبت إعلانا بزواج ابن خالتي لأجد أغلب ردود الفعل تدعو لي بالزوج الصالح، فاستغربت كيف ومتى أعطيت انطباعا أنني في انتظار الزواج، فقررت أن أرجع لكتاباتي وعندما لم أجد شيئا طرحت السؤال فكان الجواب: “اعتقدنا أنك غير متزوجة لأنك كثيرة السفر”، “لأنك مرحة”، “لأنك نشيطة”، ” لأن المتزوجة لا ترافق فتيات اخرى في الملتقيات ترافق زوجها”، “متفرغة للفايسبوك”، “تتزوجينني؟”، لكن قليلون من عبروا عن عدم اهتمامهم بوضعي الأُسَري وأن ما يهمهم ما أطرحه من أفكار وقد كتب أحدهم: “تلك حياتك الخاصة لا تهمني، بيني وبينك السياسة”.
استغربت كيف يرى مجتمعي المرأة المتزوجة حزينة غير نشيطة تهتم فقط بمطبخها وأعمال يدوية تقضي بها أيامها في انتظار أن يكبر أولادها ويكونوا أسرهم فتنام نومة أبدية والمجتمع لربما راضٍ عنها، وكيف إن قررت تلك المرأة أن تكون نشيطة، تفكر، تنتج، تحاول أن تساهم في تغيير المستقبل وتقدم المجتمع، تصنف بالمبدعة المخطئة المقدمة على فعل حرام في اجتماعاتها، أخذها الكلمة أمام الناس، في صرختها بالحق، في تنقلها من بلد إلى آخر…، حاولت أن أُغير فكرة المحيطين بي عن المرأة بطريقتي الساخرة في الكتابة لكنني اكتشفت بعد سنين أنني كنت محقة عندما تمنيت لو أنني ولدت ذكرا.
لم لا؟ كنت لأعيش حرة سعيدة ينظر إليّ المجتمع على أنني جزء منه وليس جزء من الجزء، كنت لأمتلك كل حقوقي دون المطالبة بها، كنت لأكون صوتا، فكرة، صرخة، صورة وليس عورة، حاولت مرارا أن أخال حياتي لو أنني رجل، فرأيت نفسي أمسك جريدة أجلس على كرسي وضعت رجلا على أخرى والشمس تتسلل إلى شعري أقلب صفحات الجريدة وأرتشف القهوة من فنجاني بين الحين والآخر والرجال من حولي لا يبالون بي، أتصل بعدها بأمي سائلا إن كانوا معشر المحارم يحتاجون لشيء بالبيت، أرمي بجريدتي على طاولة المقهى ساخطا على الوضع وأتوجه بعدها إلى البيت لتضع أمي وأخواتي الطعام على الطاولة فألتهمه إلى الشبع ثم أستلقي في قيلولة على الأريكة على نغم صوت الأواني تلمس بعضها البعض في حياء بسبب حرص أمي على عدم إزعاجي، أستفيق بعدها وأجد أن نساء البيت منهمكات في أشغاله، تزعجني حركتهن كالنملات العاملات فأقرر الخروج غير أن هذه المرة أنهمك على شرفة المقهى في تأمل المارة نساء ورجال وخصوصا النساء، “هذه مشيتها غريبة وهذه تحتاج إلى حمية مستعجلة، مابال هذه ألا يطعمها والداها؟ كيف يرضى هذا الرجل باصطحاب زوجته وبناته إلى المقهى والرجال يتأملون بمحارمه، لاحول ولا قوة إلا بالله، ما بقات حشمة ولا حياء…أصلا الاختلاط حرام” يرن هاتفي فأجيب في تذمر: “نعام آ الوليدة، بغيتو تخرجو للسوق؟ علاش؟ واش غا يخرجو البنات معاك؟ واخا ما تتعطلوش، قضيو بالزربة ورجعو للدار…” ثم أتذكر ذلك العالم الأزرق فأطل عليه من هاتفي ثم أجد أن إحداهن قد وضعت صورة بالحجاب، أكبر الصورة جيدا ثم أتأمل جيدا وأتنهد بحرقة وأقرر أن أكتب لها ما يلي: ” إتق الله يا أختي، ما الهدف من وضع صورتك؟ هل تعلمين أنك عورة؟ ابحثي لك عن زوج يسترك، ثانيا سؤالي هل نمصت حاجبك؟”، أمر بعدها إلى صفحتي لأبتسم ابتسامة عريضة وأنا أكتشف أن إحدى صديقاتي أعجبت بصورتي التي أخذتها على البحر.
أخرج من خيالي فرحة لأنني ولدت أنثى وقد أعطاني الله من العقل والحكمة والرحمة ما لم يعطه للكثير من الذكور، فالحمد لله على نعمة المروءة في مجتمع ذكوري يعتقد أنه الشمس بينما أراه حصاة صغيرة مظلمة تقترب منها مجرة هائلة ستلتهمه التهاما بينما هو ينظر إلى الجهة المظلمة من القمر ويتحسر قائلا: قبيح هذا الكوكب لا يضيء إلا قليلا.