24 ساعة-أسماء خيندوف
يعتمد المغرب منذ سنوات على الإسلام كعنصر محوري في سياسته الداخلية والخارجية، إذ أصبح الدين أداة استراتيجية إلى جانب كونه مكونا روحيا. ومنذ اعتلائه العرش عام 1999، يعمل الملك محمد السادس على ترسيخ نموذج مغربي للإسلام المعتدل، يهدف إلى تعزيز الاستقرار الداخلي وتوسيع التأثير الديني والسياسي للمملكة، خاصة في القارة الإفريقية.
في هذا السياق، أفادت مجلة “جون أفريك” الفرنسية أن الملك محمد السادس جعل من الإسلام المغربي “قوة ناعمة” حقيقية، مستندا إلى روابط تاريخية عميقة بين المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
وأشارت إلى أن هذه الروابط تمتد منذ عهد الرحالة ابن بطوطة، مرورا بالحجاج السنغاليين الذين اعتادوا التوقف في فاس للصلاة في الزاوية التيجانية، وصولا إلى يومنا هذا حيث يعاد تفعيل تلك الروابط في إطار سياسة إقليمية مدروسة.
عقيدة موحدة ومؤسسات دينية مجددة
أكدت المجلة الفرنسية أن الإسلام المغربي، القائم على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني، يشكل عنصرا جامعا بين شعوب المغرب والساحل، ما يمنح الرباط موقعا روحيا مميزا.
ولفتت إلى أن الملك محمد السادس اعتمد على هذا الرصيد العقائدي لمواجهة التيارات المتطرفة، خصوصا بعد تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، حيث بدأت الدولة في إعادة هيكلة الحقل الديني.
شددت “جون أفريك” على أن هذه المقاربة شملت تحديث مؤسسات دينية مثل المجلس الأعلى للعلماء وتأسيس “رابطة محمدية للعلماء” سنة 2006، وهي بمثابة مركز تفكير ديني ينتج خطابا إسلاميا عقلانيا.
كما أوردت أن معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات أصبح واجهة لتصدير الإسلام المعتدل، حيث يستقبل سنويا طلبة من إفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا، لتكوينهم على مبادئ الاعتدال والتسامح.
مؤسسة دينية عابرة للحدود
خلصت جون أفريك إلى أن أبرز تعبير عن هذه القوة الناعمة يتمثل في “مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة”، التي تأسست في 2016 وتضم علماء دين من مختلف دول القارة. وتوفر المؤسسة فضاء للحوار الديني والتقارب العقائدي، مع دعم مباشر من القصر الملكي.
تطرقت المجلة إلى الدور المركزي للطرق الصوفية، وعلى رأسها التيجانية والقادرية البوتشيشية، في تعزيز هذا النفوذ الديني المغربي، مشيرة إلى أن هذه الزوايا تشتغل كامتدادات روحية للسياسة المغربية سواء في إفريقيا أو في أوروبا.
وختمت “جون أفريك” مقالها بالتأكيد على أن الملك محمد السادس لا يكتفي بالإشراف المؤسساتي، بل يجسد شخصيا هذا الدور الروحي، خصوصا خلال شهر رمضان حيث يستقبل علماء من العالم الإسلامي، في مشهد يظهره كمرجعية عليا للإسلام الوسطي.