نجيب الأضادي
العديد من دول العالم، في الشمال كما في الجنوب، تطرح على نفسها سؤالا حول من يكون هذا المغرب الذي يحمل همّ إشكالية الهجرة ،و يعمل بنشاط على إنجاح مؤتمر الأمم المتحدة حول الظاهرة ! و هي الإشكالية التي تقض مضجع الجميع و تترتب عنها مآسي كثيرة عبر العالم. ليأتي مؤتمر مراكش قبل ثلاث سنوات ،حاملا جزءً من الجواب بكونه البلد الذي تمكن من تجريب بعض المقاربات و البدائل الناجعة في فك خيوط بعض الانشغالات الدولية كالهجرة، و ذلك انطلاقا من الفهم العميق لمعاناة شعوب أفريقيا خاصة من هذه الظاهرة و نتائجها.
حقيقة كهذه دفعت العديد من الدول و الحكومات التي تساند دعاة الطروحات الانفصالية و التي تعادي الوحدة الترابية للمملكة، خاصة في أمريكا الجنوببة و تحديدا فنزويلا و بوليفيا، ( دفعتهم) للوقوف على حقائق عديدة حول بلاد المغرب، مُحاولة في ذات الوقت تعميق البحث و تفهّم طروحاته في جملة من القضايا المصيرية و على رأسها قضية دفاعه عن وحدة الوطن و التراب، و معالجتها بواقعية أكثر بعيدا عن أي تعاطي إيديولوجي، ثبت مع الوقت أنه كان حماسيا و طوبويا.
مساهمة المغرب في انجاح مؤتمر الهجرة بمراكش سنة 2018 و إنشاءه للمرصد العالمي لهاته الظاهرة التي تهم ربع مليار من البشر على مستوى المعمور، كان لها الوقع الكبير في التأثير على نظرة بعض الدول اتجاه بلادنا. خاصة من خلال دفاع المملكة المستميث على ضرورة نهج مقاربة إنسانية و حقوقية و حضارية، بدل المقاربات سليلة الحقبة الاستعمارية البائدة في تناول إشكالية الهجرة. هذه المواقف المناصرة لقضايا شعوب بلدان الجنوب( خاصة الإفريقية)، كان لها وقع إيجابي للغاية لدى دول أمريكا الجنوبية التي تطالب بنفس الشيء، و كذلك نظرا لتشابه الظروف و السياقات التاريخية التي أفرزت معاناة شعوبها. هذه الحقائق كافية لوحدها لدفع هذه الدول إلى اعادة النظر في جملة من اليقينيات التي حكمت المواقف السياسية لحكوماتها، و دفعها ، تبعا لذلك،إلى تبني مواقف براغماتية و أكثر ارتباطا بالتاريخ و الواقع.
و عودة إلى أصل الموضوع، فلا ننسى أن كل الدول المشاركة حينها كانت قد رحبت باتفاق مراكش حول الهجرة الكاملة لشعار مركزي حول هجرة آمنة منظمة و منتظمة.
وكما جميع الدول الفقيرة في العالم التي تعاني من هجرة مواطنيها إلى دول الشمال ، فمواطن إفريقيا جنوب الصحراء في هجرتهم الخارجية يتوجهون بالاساس نحو أوروبا خاصة إسبانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وقد جاء اتفاق مراكش لمعالجة هذه المعضلة بالذات بسبب ما يعانيه المهاجرون من استغلال مادي و جسدي من طرف مهربي البشر، فضلا عن مخاطر الطريق ومسالك الهجرة كالبحور التي تلتهم الآلاف من المهاجرين قبل وصولهم أراضي الإستقبال.
ولا ننسى أنه من بين الصدف في تلك المؤتمر فقد صادقت الحكومة الإسبانية على الإتفاق ورحب رئيس حكومتها بيدرو سانشيز بمخرجاته حيث كان قد وقع اتفاقا مع نظيره المغربي سعد الدين العثماني، خلال على تعزيز التعاون بين البلدين من أجل مكافحة الإتجار بالبشر، وتقليل أعداد الوافدين غير الشرعيين إلى إسبانيا، ومساعدة المهاجرين على العودة إلى بلادهم الأصلية. لكن على كل يبدو أن إسبانيا أنكرت لجهود جارتها نسيت أفضال المملكة المغربية عليها ؛رغم أنها تدرك حجم معاناتها مما سبق ذكره من عوائق. و لعل الخطر الكبير لديها يوجد على الحدود الشمالية للمغرب حيث يشكل عليها تدفق المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء كما وقع اليوم تهديدا أمنيا حقيقيا يجعلها وجه لوجه أمام عصابات تهريب البشر و المخدرات و الجريمة المنظمة عبر الحدود والإرهاب في ظل عوائق مواجهة تفشي وباء كورونا.
لعل دعوة المغرب ، من خلال رسالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في مؤتمر مراكش سنة 2018 ، الى ضرورة قيام تعاون دولي واسع لأنسنة ظاهرة الهجرة، و اعتبارا لصفة ملك المغرب كرائد للهجرة في إفريقيا، و نظرا لتجربة المغرب الناجحة في اعتماد مقاربة حقوقية و انسانية/تضامنية نابعة من روح و صدقية الدعوة إلى إحياء محور جنوب – جنوب للتصدي لأية محاولة يراد من وراءها فرض أي شكل من اشكال الاستعلاء أو الانتقائية في التعامل مع حركية و هجرة الأشخاص عبر الحدود.
يبقى على المغرب أن يبادر و يتحرك لترصيد هذه المنجزات بقوة و بذكاء ديبلوماسي، مستثمرا في ذلك تبوؤه لمكانة دولية لائقة تجعل منه صوتا مسموعا و رأيٌ يؤخذ به في قضايا عديدة ، نظير محاربة الارهاب و التطرف، و الوساطة وحفظ السلام، و الدفاع عن البيئة و المناخ.
وحسن الختام أن المغرب لم يسجل عليه يوما أنه تطاول على اية دولة أو تدخل في شؤونها الداخلية أو قام بالتحريض على ذلك، خاصة تلك التي تعاني من مشاكل حدودية مع جيرانها، او من من دعوات انفصالية(…).