مع بداية عام 2025، انطلقت أولى إشارات التسخينات الانتخابية في المغرب. حيث بدأ الحقل السياسي يشهد تجاذبات وتحركات مكثفة، على بعد سنة ونصف من انتخابات 2026 التشريعية.
الأحزاب التي تقود الحكومة الحالية، على اختلاف توجهاتها السياسية، بدأ قادتها في الإعلان عن طموحاتهم الكبيرة في تصدر المشهد السياسي في الاستحقاقات المقبلة وقيادة الحكومة المقبلة. مؤكّدين أنهم الأكثر قدرة على قيادة المرحلة المقبلة.
لكن، وعلى الرغم من هذا الزخم الانتخابي، يبقى السؤال الكبير هو: هل تستطيع هذه الأحزاب تحقيق ما لم تحققه في الولاية الحالية، وأن ترفع التحديات المتزايدة التي تلوح في الأفق؟ وهل ستتمكن من استثمار الفرص المتاحة لمواكبة تطلعات المواطنين المغربية؟
حمى الانتخابات
عمليا، لقد دخل المغرب مرحلة العد العكسي للانتخابات. فقد بات في حكم المؤكد أن الأحزاب المتحالفة داخل الحكومة قد انشغلت، بل ربما انغمست، في تصعيد خطاباتها السياسية والتنافس على الظهور بمظهر القوة التي ستستحوذ على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، حيث يصر كل حزب على تأكيد جدارته في قيادة حكومة المونديال، رغم أن المؤشرات تؤكد أن أيا من هذه الأحزاب قد نجح في مهمته.
إن واقع الحال مختلف تماما عن الخطابات السياسية والسياسوية. فرغم الزخم الانتخابي، يبدو أن هذه الأحزاب تواجه تحديات كبرى تتطلب منها كثيرًا من الجهد والكفاءة لتجاوزها. فإذا كانت البرامج الانتخابية للأحزاب تتسم بكثير من الوعود التي قد تكون جذابة على المدى القصير، فإن البلاد بحاجة إلى حلول جذرية للمشكلات العميقة التي يعاني منها المواطنون. من هنا، يبدو أن الاهتمام بالتحضير للانتخابات يغفل في كثير من الأحيان
القضايا الأكثر إلحاحًا على الساحة الوطنية.
اليوم أمام الحكومة، المكونة من الأحزاب التي قفزت على كل شيء وذهبت مباشرة إلى صيف 2026، الكثير من التحديات، وأولها أن تؤكد قدرتها على الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، بدل أن ترفع كشعار في الانتخابات المقبلة..أن تثبت قرتها على خفض معدلات البطالة، بدل أن تطلق الوعود الانتخابية بتشغيل الشباب..أن تثبت من الآن جدارتها في تغيير وجه المغرب، كما وعدتنا ذات أكتوبر 2021..لكنها لم تفي بوعدها.
مونديال 2030..في الحاجة إلى حكومة قوية
يأتي مونديال 2030 لكرة القدم ليضع الأحزاب المغربية أمام اختبار جديد من نوعه. فالمغرب سيكون واحدًا من الدول المضيفة لهذه النسخة المميزة من كأس العالم، وهي الفرصة التي قد تكون تاريخية لتسليط الضوء على قدرة البلاد على تنظيم حدث رياضي عالمي ضخم. لكن، على الرغم من التأثير الإيجابي لهذا الحدث في مجال السياحة والاقتصاد. فإنه يشكل أيضًا تحديًا لوجستيًا ضخمًا يتطلب استعدادات استثنائية على مستوى البنية التحتية، التنقل، الخدمات العامة، وحتى الثقافة المجتمعية.
إن تنظيم حدث بهذا الحجم يفرض على الأحزاب السياسية التكيف بسرعة مع هذه المتطلبات. بل ويستوجب التنسيق الفعال بين الحكومة، القطاع الخاص، والهيئات المعنية في مجال الرياضة. كما أن هذا المونديال لن يكون مجرد مناسبة رياضية. بل سيشكل اختبارًا حقيقيًا للمصداقية السياسية، حيث أن المواطنين سيقيسون فعالية الحكومة في توفير الخدمات الأساسية من خلال هذا الحدث.
إن أحد أكبر التحديات التي ستواجه أي حكومة مقبلة هو كيفية التعامل مع الانتظارات المتزايدة للمواطنين. فالمغاربة أصبحوا اليوم أكثر وعياً بما يحدث في بلدهم وأصبحوا أكثر قدرة على تقييم السياسات العامة. صحيح أن هناك الكثير من الإنجازات في مختلف المجالات، لكن الواقع المعيشي اليومي، من بطالة، إلى ضعف التعليم والصحة، إلى أزمة السكن، وغلاء الأسعار، تبقى عائقا كبيرا أمام تحقيق الاستقرار الاجتماعي في بعده النفسي، وتوفير الرفاه للمواطنين.
المطالب الاجتماعية
وفي ظل هذا الوضع، تتزايد المطالب الاجتماعية، ويستمر الضغط على الأحزاب السياسية للوفاء بتعهداتها. فلا يكفي بعد الآن أن يتم تقديم وعود طوباوية أو خطابات سياسية مليئة بالكلمات الطنانة. المواطنون يطالبون بأفعال ملموسة، بتحسين ظروف حياتهم اليومية، وبخلق فرص حقيقية للنمو الاقتصادي الشامل.
ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في 2026، يبدو أن الأحزاب السياسية أمام فرصة لا تتكرر لصياغة أجندات عملية تتجاوز الخطابات الفارغة. لا شك أن الانتخابات المقبلة ستكون استفتاءً شعبيًا حقيقيا على قدرة الأحزاب التي تدبر الشأن العام حاليا على الوفاء بتعهداتها. في مجال التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير بيئة سياسية واقتصادية صحية، وتنزيل مختلف البرامج والمشاريع.
إن الأحزاب التي ستتمكن من النجاح في الانتخابات المقبلة هي تلك التي ستتمكن من مواجهة هذه التحديات الكبرى بنجاح. وهي تلك التي ستسعى بجدية إلى إيجاد حلول عملية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المغرب اليوم. والحقيقة أن مواجهة هذه التحديات يتطلب أكثر من مجرد التمسك بكرسي أو التصريحات الكبيرة وإطلاق الوعود الآن..ما يهم المغاربة حاليا هو ما ستقدمه هذه الحكومة اليوم قبل الغد..أو كما يقول المغاربة “حنا ولاد اليوم”..وغدا لناظره لقريب.