للسنة الثالثة على التوالي، يقودنا الدكتور الطيب بوتبقالت، أستاذ التاريخ المعاصر وعلوم الإعلام والاتصال بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة- طنجة، ضمن هذه السلسلة التي تنشرها جريدة “24 ساعة” عبر حلقات، في رحلة رمضانية لسبر أغوار التاريخ المغربي من خلال فتح صفحات حرب الريف وارتداداتها على الصعيد الدولي.
ويسلط الأستاذ بوتبقالت في هذه الحلقات الضوء على موقف الرأي العام الدولي، من خلال عدد من المحاور، ومنها الدور الذي لعبته وسائل الإعلام الغربية، وكيف اختارت خطا تحريريا منحازا، بل تم استغلال المراسلين الصحفيين ضد ساكنة الريف المغربي.
فيما تسلط هذه الكتابات أيضا الضوء على وقوف صحافة أمريكا اللاتينية إلى جانب الريفيين، في سياق الدعاية الفرنسية التي جندت وسائل الإعلام الغربية.
الحلقة الثانية:
خرج الرأي العام العالمي من الحرب الكبرى مذهولا أمام فداحة الخسائر البشرية و المادية التي لم يسبق للتاريخ الإنساني أن سجلها، و متشائما أمام ما تلوح به الثورة البلشفية من مجابهات عسكرية و إيديولوجية وشيكة.
مازالت ذكريات أهوال الحرب ماثلة في أذهان الملايين عبر العالم بمن فيهم آلاف المغاربة الذين شاركوا فيها إلى جانب فرنسا، و هاهي الحرب الريفية جاءت بمثابة مؤشر على انتكاسة اتفاقية الهدنة (11 نوفمبر1918).

و على العموم، فيما يخص تفاعل الرأي العام العالمي مع أحداث الريف في مستهل عشرينيات القرن الماضي، كان هناك اتجاهان أساسيان يمكن تحديدهما إجمالا بين مؤيد ومعارض للحركة الريفية. وكل من الاتجاهين كان يبني مواقفه على نسق إيديولوجي معين. فالتيار المعارض كان بدون مفاجأة هو التيار الكولونيالي المتشبع بالفكر الاستعماري الذي كانت له مصالح كبرى ومشاريع ذات علاقة بالمستعمرات، حيث كان من الطبيعي أن يقف مدافعا ومؤيدا لكل السياسات التي كانت ترمي إلى تقوية النفوذ الاستعماري وخدمة أطماعه، ولكن بأقل التضحيات المادية و البشرية.
وكان هذا التيار يتشكل من اليمين الأوروبي بمفهومه الواسع، ومن النخبة الارستقراطية بصفة خاصة. وقد انضافت إليه، ومن تلقاء نفسها، أصوات صهيونية صاعدة كانت تعتبر نجاح الثورة الريفية بمثابة القضاء الأكيد على تواجد الجاليات اليهودية بالشمال الإفريقي، بمعنى أن انتصار الثورة الريفية كان سيؤدي إلى تعزيز واضح للنفوذ الإسلامي في أرجاء العالم، وهو بالتالي تهديد للحضارة على حد قولها.
نفس الشعور عبرت عنه قطاعات نشيطة من الرأي العام في جنوب إفريقيا. وفي نفس التيار كانت هناك مواقف متباينة للرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية، البعض منها لم يخف نوعا من التعاطف مع الريفيين، لكن الأغلبية الساحقة كانت تدعم المستعمر الأوروبي.
وتجدر الإشارة هنا إلى مشاركة مجموعة من الطيارين المتطوعين الأمريكيين إلى جانب القوات الجوية الفرنسية التي ألقت بأطنان من القنابل، بما فيها قنابل الغازات السامة، على قرى قبائل الريف خلال صيف 1925 وربيع 1926.
أما التيار الثاني، فقد كان يشكله أساسا الرأي العام الشيوعي، وقد كان للحزب الشيوعي الفرنسي موقف بارز ولم تمض إلا بضع سنوات على تأسيسه و دخوله حلبة الصراع السياسي الفرنسي، وكان المد الشيوعي يعرف انتشارا متزايدا في ظل الماركسية اللينينية التي بلغت أوجها مع بداية العشرينيات على مستوى الكم ألتنظيري والممارسة الثورية. كما تجدر الإشارة إلى أن الأممية الشيوعية التي تأسست مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى، كانت تضع مقاومة الاستعمار والإمبريالية كشرط إلزامي للانضمام إليها من قبل الأحزاب الشيوعية الناشئة. أما الحزب الشيوعي الإسباني فقد كان محظورا ونفوذه محدودا.
وبصفة عامة، كان لليسار الأوروبي موقف يتسم بنوع من المؤازرة والدعاية لفائدة المقاومة الريفية، وهو دعم اختفى مباشرة بعد استسلام محمد بن عبد الكريم الخطابي يوم 26 ماي 1926 للقوات الفرنسية.
وتميز الرأي العام في دول أمريكا اللاتينية بموقف ملفت للانتباه، حيث كان عبد الكريم – هكذا يسمى بطل الريف في الوثائق التاريخية الغربية- يقارن بسيمون بوليڤار أحد رواد الحركة التحررية هناك. أما الرأي العام الإسلامي، فقد كان يعلق آمالا كبيرة على نجاح الثورة الريفية، وعبر عن استنكاره في أكثر من مناسبة تضامنا مع المسلمين في الريف لكنه كان مغلوبا على أمره، لا سيما أن البلاد الإسلامية في معظمها كانت ترزح تحت نير الاستعمار الغربي يومئذ.