للسنة الثالثة على التوالي، يقودنا الدكتور الطيب بوتبقالت، أستاذ التاريخ المعاصر وعلوم الإعلام والاتصال بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة- طنجة، ضمن هذه السلسلة التي تنشرها جريدة “24 ساعة” عبر حلقات، في رحلة رمضانية لسبر أغوار التاريخ المغربي من خلال فتح صفحات حرب الريف وارتداداتها على الصعيد الدولي.
ويسلط الأستاذ بوتبقالت في هذه الحلقات الضوء على موقف الرأي العام الدولي، من خلال عدد من المحاور، ومنها الدور الذي لعبته وسائل الإعلام الغربية، وكيف اختارت خطا تحريريا منحازا، بل تم استغلال المراسلين الصحفيين ضد ساكنة الريف المغربي.
فيما تسلط هذه الكتابات أيضا الضوء على وقوف صحافة أمريكا اللاتينية إلى جانب الريفيين، في سياق الدعاية الفرنسية التي جندت وسائل الإعلام الغربية.
الحلقة الثالثة عشرة:
في سنة 1925، اقترح الكولونيل الأمريكي سويني على رئيس مجلس الوزراء الفرنسي تشكيل فرقة عسكرية تضم نحو عشرة طيارين أمريكيين ينتمون إلى سرب الفرقة الجوية، لافاييت، التي تميزت بمشاركتها القوية في حرب 1914-1918.
وفي 16 يوليوز1925، توصل الجنرال ليوطي ببرقية من باريس في الموضوع : “لقد وافق بانلوفي على طلب الكولونيل سويني، كما يعتبر أن السبيل الأمثل من أجل الحفاظ على حرية الطيارين وعلى المصالح الدبلوماسية للحكومة الفرنسية يتجلى في عقد التزام في خدمة سلطان المغرب مع هؤلاء الطيارين مدته ثلاثة أشهر قابلة للتجديد. ”
و كان من الواضح أن عبارة “في خدمة سلطان المغرب” ليست سوى عبارة من العبارات التي اعتادت الدبلوماسية الاستعمارية توظيفها، بحيث أنه لم تتم استشارة سلطان المغرب بشأن هذه القضية بالذات… و حللت الدعاية الفرنسية مبادرة الطيارين الأمريكيين كما يلي : “إن هذا التعبير عن التضامن الأمريكي ذو أهمية متميزة في الوقت الراهن بالنسبة لنا، لأنه سيفيد التعريف بقضيتنا في الولايات المتحدة الأمريكية، و يساعد على تنوير الشارع الأمريكي فيما يخص اعتداءات عبد الكريم”. كانت هذه الفرقة الجوية الأمريكية تتكون من عشرة أفراد برفقة سبعة طيارين فرنسيين تحت قيادة الكولونيل سويني، خريج المدرسة الحربية بواشنطن سنة 1917.
وافق ليوطي بشكل سريع على هذا العرض : “يمكنكم التأكيد للكولونيل الأمريكي سويني أنه سوف يستقبل هنا استقبالا حارا من طرف جميع السلطات وعلى وجه الخصوص من طرف أصدقائه في القوات الجوية الفرنسية”. بعد أسبوع، كان كل شيء جاهزا بغية انطلاق سرب الفرقة الجوية الأمريكية من فرنسا في اتجاه المغرب، و قد تم وضع سبع طائرات رهن الطيارين. و حدد تاريخ الذهاب في 3 غشت 1925، حسب خط الرحلات الآتي:
1) الإثتين 3 غشت : لوبورجي – ليون – استريس
2) الثلاثاء 4 غشت : استريس – -بربيون – برشلونة
3) الأربعاء 5 غشت : برشلونة – أليكانتي.
4) الخميس 6 غشت : أليكانتي – مالقة – الدار البيضاء.
ونظرا لاضطرابات أحوال الطقس، لم يصل العسكريون الأمريكيون إلى برشلونة إلا في اليوم السابع من غشت، حيث استقبلوا هناك بحفاوة من طرف السلطات المدنية والعسكرية. وفي صبيحة اليوم الموالي، حلت الطائرات الست التي كان على متنها العسكريون الأمريكان والفرنسيون بأليكانتي، بينما اضطرت الطائرة السابعة إلى التوقف بفالنسيا إثر إصابتها بعطب، وفور إصلاحها اتجهت الطائرات السبع نحو المغرب.
لم يكن تدخل الطيارين الأمريكيين ليمر بدون علم الرأي العام الأمريكي أو الأوروبي، و أما الرأي العام المغربي فإنه لم يكن يعلم شيئا عن ذلك وقد بعثت الوزارة الخارجية الفرنسية ببرقية إلى المقيم العام بالرباط و إلى سفير فرنسا في واشنطن، بتاريخ 21 شتنبر1925، تضمنت ما يلي :
“نشرت بعض الصحف الفرنسية اليوم مقالا لجريدة الدايلي مايل الانجليزية ، يثير من خلاله السيد كيلوك، وزير الخارجية الأمريكي، انتباه المقيم الدبلوماسي التابع للولايات المتحدة الأمريكية في مدينة طنجة بخصوص خرق الطيارين الأمريكيين بفرقة الكولونيل سويني، للقوانين الفدرالية التي تمنع على أي مواطن أمريكي المشاركة في أعمال عدائية ضد بلد ليس في حالة حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية.”
يومان فيما بعد ، توصل وزير الشؤون الخارجية الفرنسي ببرقية من واشنطن تطمئنه :
“أوردت صحف الأمس أن الإدارة الخارجية الأمريكية أعطت تعليمات لقنصلها بمدينة طنجة من أجل تذكير الطيارين الأمريكيين المشاركين في الحرب بالمغرب أنهم يخرقون القوانين الأمريكية (…) و قد تم اتخاذ هذا الإجراء تلبية لاحتجاجات أحد السيناتورات الذي ازداد ابنه بالمغرب وكان يخشى عليه أن يستدعي في إطار الخدمة العسكرية بهذا البلد، وفي كل الأحوال فإن القانون الأمريكي يتميز بالغموض، بحيث أنه لا يعاقب على الجنح المرتكبة من طرف مواطنيه بالخارج”.
وفي بداية سنة 1926، طالبت وزارة الحرب الفرنسية بباريس من الإقامة العامة بالرباط تسديد النفقات المترتبة عن مجيء الطيارين الأمريكيين إلى المغرب، و كان مبلغها 200.000 فرنك. وافقت الإدارة الاستعمارية بالرباط على اقتطاع هذا المبلغ من “صندوق الاحتياط” التابع لوزارة الشؤون الخارجية، وهذا ما تم القيام به.
و تجدر الإشارة إلى طلب تقدم به طيارون آخرون من بلجيكا و ايطاليا بهدف تعزيز القوات الجوية الفرنسية في غاراتها على الريفيين. و هكذا، جاء في رسالة بتاريخ 24 يوليوز1925 لموريس هيربيت، سفير فرنسا ببروكسيل، إشارة بخصوص خدمات الطيارين البلجيكيين المستعدين لمهاجمة الريفيين دفاعا عن الاستعمار الفرنسي : ” عبر عدد من الطيارين البلجيكيين الذين طلبوا دون جدوى الانضمام إلى أسرابنا على الجبهة الريفية، في رسالة قامت بنشرها الصحافة ببروكسيل، عبروا عن اندهاشهم لاختلاف المعاملة التي تلقوها مقارنة مع تلك التي تم تقديمها للطيارين الأمريكيين.”
وعنونت جريدة الفانتيام سياكل مقالا لها ب” طيارون بلجيكيون يتطوعون للقتال من أجل فرنسا، لكن تم رفضهم”. وهذا نص الرسالة التي طلبوا من الجريدة نشرها: ‘إننا طيارون عسكريون بلجيكيون، تطوعنا للقتال على الجبهة الريفية من أجل فرنسا بغية تأكيد علاقة التضامن التي تجمع بين فرنسا وبلجيكا، على اعتبار أن قضية فرنسا هي أيضا قضية الحضارة (…). نعول على دعم صحيفتكم من أجل مساعدتنا في إنجاح مهمتنا”.
كما توصلت وزارة الخارجية الفرنسية من سفير فرنسا بايطاليا برسالة بتاريخ 10غشت1925 جاء فيها : “صرحت جمعية الطيارين الوطنية، التي يوجد مقرها بميلانو، أن مجموعة من أعضائها يرغبون في الحصول على الامتيازات نفسها التي حظي بها الطيارون الأمريكيون بخصوص العمليات العسكرية الجارية حاليا بالمغرب”.
هذا معناه أن الريفيين كانوا في مواجهة مفتوحة مع الامبريالية العالمية و ليس فقط مع دولتين استعماريتين أوروبيتين…