نجيب الأضادي
تحاول إيران جاهدة، و بكل الطرق، التغلغل في القارة الإفريقية عبر إعادة إنتاج تجربة حزب الله اللبناني داخل القارة كآلية فعالة لتنفيذ المشروع الشيعي.غايتها في ذلك حماية المصالح الإستراتيجية العليا لإيران. لكن لماذا إفريقيا ؟ لأنها تشكل طوق نجاة لايران من أجل تكسير الحصار المضروب عليها من طرف دول الغرب.
فمن الناحية السياسية هذه القارة تضم 55 دولة عضو في الأمم المتحدة( أي 30 % من الأعضاء ) قد تحتاجها ايران في خلق توازنات سياسية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد اي مشروع قرار قد يدينها.
اما من الناحية الاقتصادية، فالثروات الطبيعية الهائلة لافريقيا مهمة لمساعدة ايران في استكمال مشروعها في تخصيب المفاعلات النووية، ذاك ان إفريقيا تضم 30% من الإنتاج العالمي من اليورانيوم و 50% من الكوبالت و 60% من الماس…فضلا عن كونها تشكل معبرا لأهم ممرات التجارة العالمية.
و في سبيل تنفيذ المشروع الشيعي ذاك، اعتمدت إيران على عدة آليات للتدخل و التوسع، منها المؤسسات الرسمية و الديبلوماسية المعروفة و المعلنة، و منها العمل الخيري و الإنساني عبر إقامة المستشفيات و الجمعيات و المؤسسات التعليمية و الثقافية، و كذلك الحسينيات لاستقطاب و تكوين الدعاة و الطلبة لإرسالهم للدراسة في الحوزيات الإيرانية…إلخ.
فالتغلغل الهادئ لإيران يسهدف في المقام الأول خلق جاليات شيعية في المجتمعات السنية خاصة في دول غرب افريقيا. و قد استثمرت إيران لهذا الغرض الوجود العددي المهم للجالية الشيعية اللبنانية التي توفر لحزب الله اللبناني موارد مالية تقدر ب 200 مليون دولار سنويا.
و خلافا لما تدعيه إيران من كون تواجدها في إفريقيا سلميّ و لا يهدد أمن و سلامة بلدانها، فإن وقائع كثيرة تثبت أنها لا تتردد في زعزعة استقرار بعض الدول عبر اللجوء لآلية التدخلات العسكرية السرية التي تتم عادة عبر عناصر فيلق القدس بالحرس الثوري الايراني.
و هذا ما حدث مثلا في نيجيريا من خلال تسليح اتباع وميليشيات الشيخ زاك زاكي بكانو بالجزء الشمالي المسلم لنيجيريا، حيث أصبح يتحدى السلطة و يكفّر الرئيس و باقي الأئمة.
لكن لماذا تصر إيران على مواجهة مصالح المغرب تحديدا ؟ لأن المغرب هو من يقود الاتجاه السني الإسلامي المعتدل في مواجهة المذهب الشيعي المتعصب، فضلا عن الرغبة في مزاحمة تواجده الاقتصادي في غرب افريقيا تحديدا.
و رغم إصرار إيران على إنكار مساهمتها في أية مؤامرات ضد المغرب، فإن هذا الأخير لديه ما يكفي من الأدلة و الحجج التي تثبت تورط حزب الله اللبناني في دعم جماعة البوليزاريو بالسلاح وبالتدريبات على خوض حرب العصابات و اسلوب الخنادق. و هذا ما لم ينكره حتى مسؤولو حزب الله نفسه. و يوجد ما يكفي من الدلائل و المؤشرات على كل ذلك.
فالجميع يتذكر سقوط الطائرة العسكرية الجزائرية بوفاريك C-130 التي كانت متجهة إلى تندوف و يوجد من بين القتلى 25 عنصر من البوليزاريو و خبيرين اثنين في المتفجرات ينتميان لحزب الله اللبناني حيث تم تشييع جنازتهما بعد ذلك في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب ألله .
أما الدليل الثاني هو ارسال إيران المدعو امير ابو موسى كملحق ثقافي في سفارتها بالعاصمة الجزائرية، وقد تم رصد مكالمات هاتفية له مع قيادات البوليزاريو و هو يتحدث عن وصول أسلحة وأموال. هذا الرجل هو في الحقيقة عنصر استخباراتي معروف لدى فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني. و بعد ان فضحه المغرب قامت السلطات الجزائرية بطرده من أراضيها فورا.
و بالإضافة إلى صور الاقمار الاصطناعية الدالة على التحركات الميدانية لحزب الله، فقد واجه المغرب إيران، من خلال الزيارة التي كان قد قام بها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة لطهران قبل قطع العلاقات الدبلوماسية بحجج إضافية تفيد أن البوليزاريو تسلمت من حزب الله صواريخ SAM 9 و STRELLA بهدف مواجهة التفوق الجوي المغربي. لكن إيران لم يكن لها رد مقنع امام قوة الحجج التي ادلى لها المغرب. و طالما ان الأمور تعدت الخطوط الحمراء من خلال تهديد الأمن القومي المغربي ، فقد لجأ المغرب الى أخف الأضرار عبر قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران.
أمام كل هذه الوقائع، و بدون الدخول في التفاصيل الكثيرة، فإن هذا المتغير في صراع إيران مع المغرب داخل الرقعة الأفريقية، سيدفعها( أي إيران ) الى الرهان على البوليزاريو و استغلالها في حرب استنزاف ضد المغرب، لكن قبل ذلك يجب تحويلها إلى نسخة من حزب الله الشيعي اللبناني. و هذه الإمكانية واردة جدا.
لماذا ؟ لأن المعروف أن جماعة البوليزاريو يغيّرون البندقية من كتف إلى كتف حيثما يوجد المال والسلاح و السلطة. فقد بدؤوا رحلتهم الانفصالية في زمن الحرب الباردة (مع الهواري بومدين و القدافي و عبد الناصر…) بتبني الطروحات الماركسية و الاشتراكية.
ثم بعد ذلك سيتقلبون بين أحضان القومية العربية الحالمة. و بعد فشل الاتجاهين معا، سيجربون الطروحات الجهادية و الاجرامية عبر العلاقة الثابتة بالإتجاهات الارهابية و عصابات الاتجار بالبشر و السلاح و المخدرات، و هذا ما أكدته تقارير دولية عديدة.
و لأن العالم كله يشحد أسلحته لمواجهة هذه المخاطر، فما الذي يمنع البوليزاريو من تجريب آخر الحلول عبر استلهام تجربة حزب الله الشيعي اللبناني و التحول إلى حزب الله الإفريقي هذه المرة ؟