الدار البيضاء-أسماء خيندوف
يعتبر القفطان المغربي رمزا للتراث الثقافي العريق، وقد أصبح في السنوات الأخيرة أداة دبلوماسية لتعزيز مكانة المغرب عالميا. و من خلال الترويج لهذا الزي التقليدي في الفعاليات الدولية، يسعى المغرب إلى إبراز هويته الثقافية في ظل التنافس الثقافي الإقليمي.
و في هذا السياق، سلطت مجلة “جون أفريك” الضوء على أهمية القفطان المغربي كرمز للتراث الثقافي للمملكة وأداة فعّالة للقوة الناعمة في العالم. وأشارت المجلة إلى أن القفطان بات في صلب معركة ثقافية ودبلوماسية بين المغرب والجزائر، خصوصا على مستوى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
القفطان.. رمز ثقافي ودبلوماسي
وصفت جون أفريك القفطان المغربي بأنه أكثر من مجرد لباس تقليدي، بل هو رمز يعكس الهوية المغربية العريقة ومهارة الصنعة المحلية التي تطورت عبر القرون ويعود تاريخ القفطان المغربي، وفق ما أشار إليه وزير الثقافة مهدي بنسعيد في حديثه للمجلة، إلى الحقبة الموحدية في القرن الثاني عشر.
ومع ذلك، هناك جدل تاريخي حول أصول القفطان وتأثره بالثقافات الرومانية والعثمانية، لكنه تطور في المغرب ليصبح عنوانا للأناقة والرقي، خصوصا مع ازدهاره خلال فترات حكم السلاطين مثل أحمد المنصور الذهبي ومولاي إسماعيل.
نزاع ثقافي على الساحة الدولية
أوضحت جون أفريك أن النزاع بين المغرب والجزائر حول التراث الثقافي ليس جديدا، فبعد اتفاق الدول المغاربية على تسجيل طبق الكسكس كتراث مشترك لدى اليونسكو في 2021، توترت العلاقات من جديد في 2022 عندما أطلقت شركة أديداس زيا رياضيا مستوحى من “زليج تلمسان”، ما أثار غضب المغرب الذي اعتبر ذلك استيلاءً ثقافيا.
وفي مارس 2023، تصاعد الخلاف مجددًا عندما قدمت الجزائر ملفًا لليونسكو لتسجيل زي تقليدي نسائي يمثل شرق الجزائر، لكن الملف تضمن صورًا لقفطان مغربي تقليدي من فاس.
وأوردت أن المغرب قدم اعتراضا رسميا على الملف وحصل على قرار لصالحه، خصوصا أن المملكة كانت قد أعلنت مسبقا نيتها تسجيل القفطان كتراث غير مادي في 2025، بعد تقديمها طلبا سابقا لتسجيل فن الملحون.
القفطان بين الماضي والحاضر
أشارت المجلة الفرنسية، إلى أن القفطان المغربي، الذي بدأ كزي رجالي في القرن الثاني عشر، شق طريقه إلى عالم الأزياء النسائية في القرن الرابع عشر، وأصبح جزءا من الهوية الوطنية. وقد شهد القفطان تطورات كبيرة خلال القرن العشرين، خاصة في السبعينيات، حيث بدأت المصممات المغربيات في إدخال تصاميم جديدة تناسب العصر.
و في الألفية الجديدة، اكتسب القفطان زخما أكبر بفضل ظهور الملك محمد السادس الذي أضفى طابعا حداثيا على المشهد الثقافي في البلاد. وأصبح القفطان رمزا للأناقة الملكية، وارتبط بالظهور الرسمي للعائلة الملكية المغربية.
كما أبرزت “جون أفريك”، كيف أصبح القفطان المغربي أداة دبلوماسية، حيث استخدم في فعاليات دولية مثل “أسبوع التراث المغربي” في أبوظبي وبرنامج “سنوات الثقافة” في قطر، مما ساهم في الترويج لصورة المغرب كبلد يجمع بين الأصالة والانفتاح.
تحديات الحماية والتطوير
ورغم هذه النجاحات، تؤكد جون أفريك أن المغرب لا يزال يواجه تحديات في حماية القفطان من الاستيلاء الثقافي، حيث يعمل على تطوير إطار قانوني لحماية هذا التراث، بما في ذلك إنشاء شهادات ضمان مثل “تراث المغرب”
كما دعت المجلة إلى دراسة اقتصادية شاملة لقياس الأثر المالي للقفطان على الاقتصاد المغربي، وتشجيع المزيد من الاستثمارات في الصناعات المرتبطة به، مثل التصميم والحرف اليدوية.
و اختتمت “جون أفريك” مقالها، بالتأكيد على أن القفطان ليس مجرد لباس، بل أداة لتعزيز صورة المغرب كبلد حديث يحترم تراثه، ووسيلة لبناء جسور ثقافية ودبلوماسية مع العالم.