الرباط-سناء الجدني
في موقف مفاجئ، ألغت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، صباح اليوم الجمعة، الاتفاقيات التجارية المبرمة سنة 2019 مع المغرب في مجال الصيد البحري والمنتجات الزراعية. وفي حكم نهائي تلاه رئيس محكمة العدل الأوروبية، كوين لينارتس، تم رفض الطعون التي رفعتها المفوضية الأوروبية، مع استثناء اتفاقية المنتجات الزراعية، مقررة إبقاءها سارية المفعول لمدة اثني عشر شهرا اعتبارا من اليوم، مع الأخذ في الاعتبار التبعات السلبية الخطيرة على العمل الخارجي للاتحاد الذي سيترتب على الإلغاء الفوري لهذه الاتفاقية.
وزعم الحكم أن اتفاقيتي الصيد والفلاحة لم يتم خلالهما استشارة من أسمته “شعب الصحراء”، مدعيا. وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية، كان قد طالب في وقت سابق من المحكمة إلغاء الحكم السابق، وبالتالي السماح بإبرام اتفاق جديد مع المغرب يشمل أقاليم الصحراء المغربية في قطاع الصيد البحري، والذي يرفض المغرب بشكل قاطع أي تجديد للاتفاق المذكور دون أن تكون أقاليمه الجنوبية جزءا منه.
وأعلنت السلطات المغربية في أكثر من مناسبة، وبشكل حازم أنها لن تقبل إبرام أي اتفاق دولي يمس بالسيادة الوطنية أو يستثني الأقاليم الجنوبية من كامل التراب الوطني، بما في ذلك اتفاق الصيد البحري مع الاتحاد الأوربي.
لذلك، فإن لاشيء يتغير بالنسبة للرباط. أولا، فإن الخاسر الأول هو دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها إسبانيا التي ستجد نفسها في ورطة حقيقية. ذلك أن احتجاجات الصيادين الإسباني الذين سيحرمون من الصيد في المياه المغربية ستجعل حكومة مدريد في حرج كبير، في غياب بديل حقيقي.
ثانيا، يبنغي الاعتراف اليوم بأن المنظومة الأوروبية تعيش اليوم ازدواجية حقيقية في تقدير مواقفها، ولن نجازف إن قلنا بأن هذا الحكم –الذي يفترض أن يكون عنوانا للحقيقة- إنما هو في واقع الأمر تجسيد لاعتبارات سياسوية لعبت فيها أطراف معادية للمغرب أدوارا دنيئة، جعلت من هذه المحكمة مجرد أداة لتصفية الحسابات، وإلا فإنه لا توجد وثيقة قانونية تشير إلى مصطلح “شعب الصحراء الغربية” الذي تم إقحامه عنوة.
ثالثا، إن شعب الصحراء الغربية كما يسميه الحكومة يوجد في قلب أراضي الصحراء المغربية، وقال كلمته في أكثر من مناسبة ومحطة، وعلى رأسها محطة الانتخابات التي تجسد أسمى تجليات التعبير الديمقراطي لانتخاب ممثليهم على غرار مختلف سكان المملكة، دون أن تتجسد هذه العبارات التمييزية في وصف ساكنة المنطقة بـ”الشعب الصحراوي”..أما من يوجدون خلف الجدار الأمني محتجزون من طرف “البوليساريو” والجزائر، فيتفرتض أن تصدر بشأنهم هذه المحكمة قرارات إدانة ضد سجانيهم..فلا هم يتوفرون على من يمثلهم حقا، ولا هم استطاعوا أن يعودوا إلى أرض الوطن ليعيشوا بأمن وسلام.
ولن نخوض هنا في كثير من التفاصيل حول عائدات الثروات البحرية على المنطقة وكيف تستفيد منها، بل إنها لا تمثل حتى 10 في المائة من الاستثمارات الضخمة التي يقوم بها المغرب في كبريات المدن الجنوبية للمملكة..فيكفي للمحكمة أن تطلع على مشروع ميناء الداخلة لتقتنع بعيدا عن الأدلجة والسياسوية، بالجهود الكبيرة التي يقوم بها المغرب من أجل تحويل هذه الأقاليم إلى قطب اقتصادي دولي.
عموما، ستكون دول الاتحاد الأوروبي أكبر خاسر، في حين أن المغرب ليس لديه ما يخسره..فالاتحاد حر في اختيار شركائه، والمغرب حر أيضا في تنويع شركائه..وربما سيكون الصيد البحري مدخلا لتقارب استراتيجي مع “الدب الروسي” الذي يزعج تواجده في المنطقة الحلفاء الأوروبيين.