الرباط-عماد مجدوبي
بين حكومات ما قبل 2011 وما بعدها، جرت مياه كثيرة تحت الجسر وشهدت بلادنا تحولات كبيرة من حيث الإصلاحات الهائلة التي قادها الملك محمد السادس، والاستثمارات الواسعة التي حولت البلاد إلى ورش كبير ينشد اللحاق بنادي الكبار..لكن هذه الفترة شهدت أيضا تحولات مناخية تجعلنا اليوم في أزمة حقيقية مع توالي سنوات الجفاف.
لم تستطع مختلف الحكومات المتعاقبة، رغم الحرص الملكي والتنبيهات المبكرة والاستراتيجيات الاستباقية التي سعى جلالته إلى إرسائها لمواجهة ما نعيشه اليوم، أن تنجح في بلورة مختلف هذه التوجهات وتحويلها إلى مشاريع مهيكلة تحل مشكل المياه وتتجاوز منطق الاستغلال العشوائي للمياه السطحية والجوفية.
توالت الحكومات، على الأقل منذ كريم غلاب وشرفات أفيلال واعمارة ورباح واليوم مع نزار بركة..والواضح أن هناك نقطة جامعة بين كل هؤلاء الوزراء، وهي أنهم لم يأخذوا موضوع شح المياه على محمل الجد..أو على الأقل، لم يشرفوا بالصرامة اللازمة على تنفيذ المشاريع المائية التي تم إطلاقها.
أكثر من ذلك، فقد وجدنا أنفسنا أمام مواجهة مفتوحة بين كاتبة الدولة الأسبق في الماء شرفات أفيلال ووزيرها آنذاك عبد القادر اعمارة، حتى إن الملف وصلت إلى مستويات عليا، ليتقرر فيما بعد إعفاء أفيلال وحل كتابة الدولة..
لكن ماذا وقع بعد ذلك؟ عموما، لم يقم اعمارة بما يفترض أن يقوم به من حيث هيكلة مديرية عامة للمياه، ولا قام ببلورة مشاريع حقيقة استباقية وأن يعكف، خارج مكتبه، على متابعة تنفيذ الشركات للمشاريع تفاديا للتعثر الذي شهدته عدد منها، وعلى رأسها محطات للتحلية.
وعلى نفس المنوال واصل الاستقلال نزار بركة نفس منطق التسيير المكتبي الذي فشل فشلا ذريعا..إذ بدل أن ينزل إلى الأوراش المفتوحة وأن يلزم الشركات بالالتزام بالمواعيد المحددة للتسليم، بدل أن نجد أنفسنا أمام شركات فاشلة إما بسبب الإفلاس وعدم القدرة على الاستمرار في تنفيذ المشاريع، أو لأن صاحبها قد اودع السجن كما وقع مع “إمبراطورية بعيوي”.
في المحصلة، تظهر أرقام رسمية أنه عند متم يناير امتلأت السدود المغربية بنسبة 23 في المائة فقط، مع وجود فوارق كبيرة جدا بين الجهات، حيث شهدت السدود في الجهة الشرقية وفي وسط وجنوب المملكة معدلات امتلاء منخفضة، كسد المسيرة شبه الجاف، وسد بين الويدان الذي تبلغ نسبة امتلائه حوالي 5 في المائة.
وإلى جانب هذا الوضع المائي، الذي يتسم بالإجهاد المائي المزمن، فإن الموارد المائية، خاصة المياه الجوفية، تتعرض للاستغلال المفرط، والمواطن لم يتخلص من بعض السلوكيات التي تهدد الأمن المائي للبلاد.
ويرى خبراء أن الوضع المائي الحالي غير مسبوق ومثير للقلق جدا، ويقدر هؤلاء أن الموارد المائية في المغرب بأقل من 650 متر مكعب للفرد سنويا، مع العلم أنه ينبغي أن نتجاوز ألف متر مكعب لتجنب ندرة المياه.
ومنذ سنة 2022، لم تعد إمدادات المناطق الحضرية بالمياه الصالحة للشرب، التي تمثل 10 في المائة فقط من احتياطي المياه، مضمونة كما كانت من قبل، ناهيك أنه لا يمكن تلبية الاحتياجات المائية الفلاحية للمناطق المسقية، مما يؤدي إلى زيادة اللجوء إلى الاستغلال المكثف للمياه الجوفية، المتواجدة بالفعل في حالة من الاستغلال المفرط مع تسجيل عجز كبير.
لذلك، سيكون من الأفيد لهذه الحكومة ومن ستأتي بعدها أن تنفذ فقط.خارطة الطريق والتوجيهات الملكية الدقيقة والاستباقية التي تم تحديدها في مختلف جلسات العمل التي ترأسها جلالته. فالرؤية الملكية المبتكرة لمواجهة الموارد المائية، وعلى رأسها المشروع الوطني الكبير لتحلية المياه، من شأنه أن يوفر إجابات مستدمة لواقع لابد أن نتعايش معه.