حمزة ابراهيمي
39.31 بالمائة هي الحصيلة الاولية خلال الستة الأشهر الأولى من سنة 2024 التي تبين تبوأ القطاع الصحي الخاص ( تداولا للاسهم بيعا و شراء و استثمارا و خدمات و جلبا للربح) للمرتبة الثالثة بين القطاعات الاكثر انتعاشا في بورصة الدار البيضاء. نسبة تظاهي، بالمفارقة، اجمالي الاسرة الذي ستمتلكه احدى العلامات التجارية الخاصة، القادمة بقوة و المسيطرة بالقطاع الصحي مع قدوم 2025. هاذين الرقمين و المعاينة البسيطة للمتتبع تعكس الانتعاشة الكبيرة للمصحات الخاصة بالمغرب و تغول اضخم يعرفه الاستثمار الخاص بالقطاع الصحي المغربي في ظرف جد وجيز لا يتجاوز الاربع سنوات، حيث اضحى بمثابة الواجهة الامامية الملمعة لمنظومتنا الصحية التي يفترض أن تأسس على جاذبية و تأهيل و توفر الخدمات الشاملة بالمستشفيات و المراكز الصحية العمومية، فهل مرت حكومة الباطرونا و رجال الاعمال الى خوصصة القطاع الصحي؟!
لنتفق اولا، ان الحق في الصحة باعتباره حق شمولي و كوني لا يباع و لايشترى و احد الحقوق الأساسية للانسان الذي أكدت عليه جميع المواثيق و العهود الدولية، يجب أن تبقى خدمات ضمن سلة التعاقدات الاجتماعية الضامنة للدولة الراعية او الدولة الاجتماعية التي تعتبر احد الاوراش المؤسسة للنموذج التنموي المغربي الذي حضي بالرعاية الملكية السامية.
ان تفويت صحة المغاربة للخواص تارتة تحت يافطة الشراكة قطاع عام – قطاع خاص و تارة اخرى بيع المؤسسات الصحية العمومية تحت يافطة التمويلات المبتكرة و تارات اخر باطلاق يد الخواص غير المنتمين للقطاع لانشاء المصحات مجهولة الهوية، اعتباره المجال مدرا للارباح السريعة و المضمونة، مستغلة تعميم التغطية الصحية الشاملة التي ضمن يفضلها الخواص استرجاع مصحاتهم لفواتيرها من منظمات الاحتياط الاجتماعي.. و ذلك بعدما فتحت جائحة كوفيد ( كان العلاج باحد المصحات الخاصة يتجاوز 100 الف درهم في ظرف عشرة الى خمسة عشرة يوم)، شهية المستثمرين.
و لهذا فتخوفي اليوم، هو مقامرة الحكومة التي لا ترى الا حافة الربح و مداخيل الاستشمارات بالقطاع الصحي الخاص الذي توفر له كل شروط و ظروف الجاذبية و التمويل الدفع بالراس مال فيه للانفتاح و التوسع اكثر ، رغم ان هدف صاحب المال الوحيد من جني الربح و لو على حساب معاناة البشر و التجار بألمهم في قطاع يعتبر اجتماعيا و العاملين به يسمون ملائكة.
اما حكومتنا، فكما انها عاجزة عن سد الخصاص و الحد من هجرة الكفاءات الطبية و التمريضية للمستشفيات، و عاجزة عن ضمان مؤشرات رحيمة للتغطية الصحية ليستفيذ جميع المغاربة، و عاجزة عن توفير الأدوية و المستلزمات الأساسية و ضمان ولوج سلس للمرفق العمومي الصحي يضمن كرامة المواطن. فإنها تعتبر اكثر فشلا في تنزيل المنظومة الصحية الجديدة الرامية إلى الاصلاح الشمولي وفق المنظور الملكي السامي، وسط عالم اضحى بعد جائحة كوفيد يعرف طلبا متزايدا على خدمات الصحية و استقطابا اكثر لاطره الصحية التي تسعى الدول المتقدمة الى توظيفها و توفير كل شروط التحفيز و العمل اللائق لها. و هكذا فالمفهوم الشامل -ما بعد كوفيد- المؤسس للمنظومات الصحية يقوم على تقوية الامن الصحي داخل البلدان من خلال تعزيز دور الدول في دعم و تطوير و النهوض لمنظوماتها الصحية العمومية ماديا و لوجيستكيا و بشريا، بهدف واحد هو تحصين الدول امام الجوائح و الازمات الصحية، التي ابانت عن الحاجة الماسة و الادوار الأساسية للخدمات العمومية الصحية و لأطقمها المؤهلة و المحفزة و الكافية. و هذا ما يصبوا اليه قرار جلالة الملك خلال المجلس الوزاري الاخير الذي اعتبر المؤسسات الصحية العمومية المنبثقة عن القانون الإطار 06.22 الخاص بالإصلاح الشمولي للمنظومة الصحية بمثابة مؤسسات استراتيجية وطنية.
ان فارق السرعات التي تهيكل به الحكومة القطاعين العام و الخاص يضحظ الشك باليقين بأن السيد الرئيس عزيز اخنوش و من معه من اغلبية عجزوا عن تنزيل مراسيم القوانين الخاصة بالإصلاح الشمولي للمنظومة الصحية التي تمت المصادقة على قوانينها قبل حوالي السنتين و اغرق رئيسها (رئيس رؤساء الباطرونا و رئيس الحكومة) مؤسساتها الصحية الاستشفائية و الوقائية في بركان الاحتقان و الاحتجاجات بعدما تنكر و تنصل باستهتار من كافة التزاماته في فبراير 2022، لإستمرارية الحوار الاجتماعي بالقطاع الصحي و التي افضت الى توقيع محضري بتاريخ 29 دجنبر 2023 و 26 يناير، بأمر منه بين جميع النقابات الصحية و وزارة الصحة و الحماية الاجتماعية.. مما شكل نقطة تحول سوداء في تاريخه السياسي و ادت إلى اتساع دائرة الاحساس بالغبن و السخط و التذمر في صفوف كل مهنيين الصحة الذي يسطرون ملحمة نضالية بطولية، (ان فارق السرعات اليوم) يصب في صالح القطاع الخاص الذي سهلت له الحكومة كافة ظروف الولوج و ضمنت مراكمة أصحابه للثروات من معاناة المغاربة و رهنت مصير أمة باكملها بايدي مستثميرين في قطاع حيوي و اساسي يمكنهم في اي لحظة سحب استمثاراتهم و اغلاق مصحاتهم و التوجه نحو مصدر اخر مدر للربح.. و اما القطاع العام لا زال غارقا في مشاكله و خصاصه و سوء الحكامة به بسبب في تسويف و عجز و مماطلة الحكومة التي تجيد تصريف الاقاويل و الاحاديث و الكلام المعسول في الخطب و الخرجات الحزبية لرئيس الحكومة.
* مسؤول الاعلام و التواصل النقابة الوطنية للصحة العمومية Fdt Sante Snsp
* عضو السكرتارية الوطنية لقطاع الصحة الاتحادي Usfp Maroc الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية