24 ساعة- محمد أسوار
أثار وزير العدل والحريات؛ عبد اللطيف وهبي؛ غضبا حقوقيا كبيرا، حين عبر عن رغبته إدخال تعديلات على القانون الجنائي، من أجل حصر تقديم شكايات ضد ”الفاسدين وناهبي المال العام”، في يد وزارة الداخلية، ومنع جمعيات المجتمع المدني من القيام بهذه المهمة.
وقال وهبي خلال جلسة الأسئلة الشهرية، بداية الأسبوع الجاري؛ إن حماية المال العام ”شغل الدولة”، ولا يمكن ”كل مرة نقدم شكاية ضد هاد المسؤول وهاد المسؤول”، قبل أن يختم مداخلته بنبرة حادة قائلا ”واحد تيشد التقرير ديال مجلس الأعلى للمحاسبة وتيدير به شكاية.. معندوش الحق”.
في هذا الصدد، هاجم المحامي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام؛ بقوة؛ عبد اللطيف وهبي، في حوار أجراه مع جريدة ”24 ساعة”. وقال إن خطابه داخل البرلمان يتناقض مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية لمكتفحة الفساد، ومع الخطاب الرسمي للدولة من أعلى مستوى…
فيما يلي نص الحوار كاملا:
ما ردك حول ما قاله وهبي داخل البرلمان وهل ذلك مخالف للدستور؟
المقررات الدستورية في دستور 2011، عززت مكانة المجتمع المدني وأدوراها، وارتقت به إلى مستوى شريك للمؤسسات العمومية والمنتخبة في إنتاج السياسيات العمومية.
وأعطى لفعاليات المجتمع المدني دور في تفعيل هذه السياسات وتقييها، بل أكثر من ذلك أن الدستور أتى بآليات جديدة تتعلق بالعرائض، والتي من خلالها بإمكان المجتمع كأفراد أو كجمعيات أن تسهام في التشريع. بالاضافة إلى ذلك فإن القانون التنطيمي المتعلق بالجماعات الترابية ( الجماعات المحلية، المجالس الجهوية ومجالس العمالات والاقاليم)، أحدثت آلية للتشاور، تتكون من جمعيات المجتمع المدني التي تساهم بمقتضى هذه الآلية في وضع برنامج هذه الجماعات والمؤسسات.
فضلا عن ذلك فإن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، تحدثت عن دور المجتمع المدني وأهميته في مكافحة الفساد. إذن وزير العدل يتنافض مع الدستور ومع القانون ومع الاتفاقيات الدولية، وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي صادق عليها المغرب سنة 2007.
السؤال المطروح، لماذا كل التهافت وهذا الإصرار على توظيف مؤسسة دستورية والتي هي البرلمان في تمرير تشريع يمس بالحقوق والحريات؟ وهو شيئ غير مقبول، على اعتبار أن الفصل 71 من الدستور يتحدث عن مجال التشريع، ويوكل هذه المهمة للبرلمان، ومن بين مقتضياتها هو أن البرلمان يُشرع في مجال الحقوق والحريات، فهل يحق للبرلمان أن يصدر نصا تشريعيا يتعارض مع مقتضيات دستورية في باب الحقوق والحريات، والتي يضمنها الدستور؟
هذا الأمر يعد غير مقبولا ومرفوضا من الناحية الدستورية والقانونية، وغير مقبول للبرلمان في أن يشرع من أجل تقييد الحريات والحقوق. فإذا كان برلمانات الدول الديمقراطية، تُشرع من أجل تمكين المواطنين من الحقوق والحريات، فإن وهبي يريد أن يورط البرلمان في مهمة للتضييق على الحريات والحقوق، وهو أمر اعتقد أنه ”لن يمر”، ونحن في الجمعية المغربية لحماية المال العام، مستعدون للتصدي لهذا التوجه النكوصي، الذي يشكل ارتدادا على المكتسبات الدستورية وحتى على الخطابات الرسمية للدولة على أعلى مستوى في البلد، بحيث كلها وفي مجملها تتحدث عن ربط المسؤولية بالمحاسبة ودور المجتمع المدني..
وهبي وضع نفسه في زاوية ضيقة تحركه أهداف ضيقة، لأنه يريد أن يشرع لطائفة معينة، ويتحدث عن جمعيات المجتمع المدني واضعات الشكايات في مجال محدد، وهو مجال تبذيذ واختلاس أموال عمومية، أما باقي المجالات الأخرى، فلم يتطرق إليها.
التشريع لهذه الفئة ولهذه الطائفة يمس بالحقوق والحريات وينتهك الدستور ويتعارض مع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وينتهك الدور الرقابي للمجتمع المدني على السياسات العمومية، ولم يسبق لأي مسؤول كيف ما كان مر بوزارة العدل، لم تكن لهم الجرأة وتلك الحماسة التي كانت لهذا الرجل.
حين يقول وهبي إن منتخبين سيخشون من التقدم للإنتخابات بسبب هذه الشكايات، ماذا يقصد بهذا الكلام بالضبط؟
مرشحون سيخشون.. لأنه يتحدث عن طائفة معينة، لأن الحزب الذي ينتمي إليه وزير العدل، فيه بعض المنتخبين والمسؤولين متابعين في هذا الحزب، بمقرر تبديد واختلاس أموال عمومية؛ ربما وزير العدل يستبق الأحداث، ويريد أن يُطمئن فريقه في الحزب ونفسه أيضا بصفته رئيس بلدية، من دور جمعيات المجتمع المدني الرقابي، لأنهم يعلمون على أن المجتمع المدني؛ وبعد أن سلك مع البعض أسلوب الإغراءات والتهديد، ولم تنفع معه، فإنهم انتقلوا إلى مرحلة أخرى وهي تقييد المجتمع المدني بالنصوص التشريعية، بمعنى أن وهبي يمكن أن يكون معرضا للمساءلة بصفته رئيس بلدية وفي نفس الوقت، بعض المنتمين لقيادة الحزب، متابعين أمام القضاء، وبالتالي هي عملية استباقية و”ابتزاز” لمؤسسة الدولة لاستصدار تشريع لفائدة فئة ليس للمجتمع المغربي بحاجة إليها. لأن أغلبهم متورطون في قضايا الفساد المالي، وبعضهم ذمته غير بريئة، ولا تتوفر فيهم كل معايير تولي المسؤولية العمومية، والمجتمع ليس بحاجة لأمثال هؤلاء.
هل كان وهبي يقصد جمعيتكم ”حماية المال العام” التي فجرت ملفات فساد كبيرة؟
هو يقصد المجتمع المدني الجاد، الذي وجد معه بعض الصعوبة، لأنه يملك مواقف ومبادئ والتزامات مع المجتمع، ويتقدم بملفات بشكل موضوعي بناء على وثائق رسمية وأدلة، ولم يسبق لنا في الجمعية المغربية لحماية المال العام أن اتهمنا أي شخص بشكل مباشر، لأننا ضد التشهير وضد المس بكرامة الأشخاص، ونطالب بمحاكمة عادلة حتى للمتورطين في قضايا فساد مالي، ونعتبر أن الأصل هو البراءة.
وهبي أطلق العنان للسانه ويتحدث بصيغة الجمع مع العلم أن الجمعية الوحيدة النشيطة في هذا المجال والتي قدمت العديد من الملفات وخاضت العديد من المعارك، هي الجمعية المغربية لحماية المال العام. وبالمناسبة فنحن نطالب وزير العدال، إذا كان هناك ابتزاز للمنتخبين، فبإمكانه أن يسلك المسالك القضائية ضد كل شخص كيفما كان موقعه ومسؤوليته يمارس هذا الابتزاز، وأعتقد أن القضاء والعدالة فوق الجميع.