الرباط-متابعة
كشف الأرجنتينيون، أمس الأحد، عن توجهاتهم السياسية للانتخابات العامة المقبلة، حيث وضع أزيد من 30 بالمائة من الناخبين عقب الانتخابات التمهيدية “الأولية والمفتوحة والمتزامنة والإلزامية” في الصدارة ليبراليا راديكاليا، عكس المتوقع، وهو ما قلب المشهد السياسي رأسا على عقب ووجه إنذارا شديد اللهجة للأحزاب التقليدية.
وظهر مرشح حزب “ليبرتاد أفانزا” (الحرية إلى الأمام) ، خافيير ميلي، مساء أمس الأحد، كشخصية مركزية في عهد “سياسي جديد” يقطع نهائيا مع الثنائية الحزبية السائد في البلاد منذ 40 عاما.
بتصريحاته القوية ضد “الطبقة السياسية” ببلاده، نجح ميلي في الفوز في الانتخابات التمهيدية دون وجود جهاز سياسي قوي ممتد بمجموع التراب الأرجنتيني الواسع. في هذه الأمسية الانتخابية الحافلة بالمفاجآت، حاز حزب ميلي الصدارة في 17 من أصل 24 اقليم، وعزز حزبه وجوده ب 33 نائبا (مقابل 2 سابقا) و8 أعضاء بمجلس الشيوخ.
وكان ميلي قد وصل إلى الساحة السياسية، قبل سنتين، بطريقة مثيرة، بعد حصوله على مقعد نائب برلماني. وفرض نفسه، أمس الأحد على أنه المرشح الأفضل، وأعطى صورة لما ستكون عليه نتائج الانتخابات العامة المزمع عقدها في 22 أكتوبر المقبل.
وفي أول خطاب له بعد الانتصار، صعد ميلي من هجماته ضد خصومه السياسيين، وقال أمام حشد من مؤيديه إن “الناس يكرهون السياسيين (الذين) لا يفهمون أن النظام قد تغير. لقد أصبحوا واثقين. لقد ظنوا أني كنت دخيلا على المنظومة (…) درجة السخط كانت منسجمة مع الأصوات المحققة، وقد دخلنا التاريخ”.
وتتكون غالبية أنصار ميلي من الشباب المعجبين بانتقاداته اللاذعة ضد الطبقة السياسية التقليدية، والتي يحملها مسؤولية الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وفي خطاباته النارية، ندد ميلي، خاصة، بالأعباء الجبائية الكبيرة، وضعف نجاعة السياسات العمومية في الحد من الفقر وانعدام الأمن، وكبح جماح التضخم. كما استنكر قلة الفرص التي تدفع العديد من الشباب لمغادرة البلاد. وينظر إلى مقترحاته بإلغاء البنك المركزي، واعتماد الدولار في الاقتصاد، على أنها حلول صادمة لبلد يعاني من انخفاض قيمة عملته وديونه الكبيرة.
وواجه ميلي، طيلة حملته الانتخابية، انتقادات من قبل خصوصمه، سعت للنيل من سمعته، غير أن نتائج الانتخابات التمهيدية أكدت أن هذه الانتقادات كانت دون جدوى.
وحصل خصما ميلي، (باتريسيا بولريتش وهوراسيو لاريتا)، المنتميان للمعارضة (يمين وسط) المجتمعان في تخالف “معا من أجل التغيير”، ، على 28 بالمائة من الأصوات. وفاز في هذا السباق، بفارق ضئيل، بولريتش، الذي سيكون المرشح الرسمي للمعارضة البرلمانية.
لكن الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات التمهيدية، كان بلا شك، مرشح الأغلبية المنتهية ولايته، وزير الاقتصاد، سيرجيو ماسا، الذي حاز على 21 بالمائة من الأصوات. وإذا تكررت هذه النتيجة في الانتخابات العامة المزمع عقدها في أكتوبر المقبل، فإن ماسا لن يتمكن من خوض الجولة الثانية المقرر إجراؤها في نونبر المقبل.
ويشكل إخفاق تحالف الأغلبية “الاتحاد من أجل الوطن” انهزاما كذلك لزعيمة الحركة البيرونية، الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، التي تواجه متابعة قضائية من أجل تهم بالفساد في فترة رئاستها للبلاد.
ويعد من بين الخاسرين، كذلك، منظمو استطلاعات الرأي ، الذين فشلوا فشلا ذريعا في توقع فوز ميلي، حيث توقعوا أن يحتل المركز الثالث بنسبة لا تتجاوز 20 بالمائة من الأصوات.
ومن جهة أخرى، لم تتأخر ردود فعل الأسواق المالية كثيرا، على انتصار ميلي، إذ تراجعت سندات الخزينية الأرجنتينية بـ12 بالمائة عند افتتاح الأسواق اليوم الإثنين، كما يتوقع معظم المحللين أن ينخفض البيزو بشكل كبير مقابل الدولار.
وبالوقوف على حصيلة اقتراع هذه الانتخابات التمهيدية، من مختلف الزوايا، فإن خلاصة وحيدة تفرض نفسها، وهي أن “التصويت العقابي” انتصر، وأن الناخبين الشباب، الذين توجهوا لأول مرة لمراكز الاقتراع، عبروا عن غضبهم.
وابتداء من يوم الاثنين، تنطلق بالأرجنتين حملة انتخابية لمدة 60 يوما، ستحدد معالم المشهد السياسي الجديد للبلاد للسنوات الأربع المقبلة. ولم يجازف أي من المحليلين بتوقع نتائج الانتخابات العامة لشهر أكتوبر المقبل، لكن الأكيد هو أن خافيير ميلي والـ30 بالمائة من الأصوات التي حصل عليها أمس الأحد، ستكون محددا أساسيا.