عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط
وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره يوم الأربعاء الماضي، خطابا ساميا إلى الأمة بمناسبة عيد العرش المجيد الذي صادف الذكرى الحادية والعشرين لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين، شكل منعرجا حاسما وهاما، لدعم الاقتصاد الوطني والعناية بالفئات الاجتماعية، والنهوض بالوضع الاقتصادي للمقاولات المغربية، كشف الخطاب الملكي السامي، أهداف كبيرة وغايات طموحة، نعيد نشر أهم مضامين هذا الخطاب المهم، دروس كورونا
– روابط المحبة والتقدير والمشاعر المتبادلة، التي تجمعنا على الدوام، تجعلنا كالجسد الواحد، والبنيان المرصوص، في السراء والضراء.
– العناية التي أعطيها لصحة المواطن المغربي، وسلامة عائلته، هي نفسها التي أخص بها أبنائي وأسرتي الصغيرة؛ لاسيما في هذا السياق الصعب، الذي يمر به المغرب والعالم، بسبب انتشار وباء كوفيد 19.
– ما أعطانا الثقة والأمل، هي التدابير والقرارات الحاسمة التي اتخذناها، منذ ظهور الحالات الأولى، لهذا الوباء بالمغرب.
– – ما يجعلني أعتز وأفتخر، هو مستوى الوعي والانضباط، والتجاوب الإيجابي ، الذي أبان عنه المغاربة، ومختلف القوى الوطنية، خلال هذه الفترة، وقاموا بدورهم ، بكل جد ومسؤولية .
– أشيد بروح التضامن والمسؤولية، التي تعامل بها المواطنون والمواطنات، سواء على المستوى الفردي، أو ضمن المبادرات المشكورة لفعاليات المجتمع المدني ، خلال فترة الحجر الصحي.
– – عشنا مشاهد لاتنسى من التعاون والعمل التطوعي، بين الجيران، ومع الأشخاص المسنين، والأسر المحتاجة، من خلال توزيع المساعدات، وتقديم الدعم والإرشادات .
– سجلنا بكل اعتزاز ، لحظات مؤثرة، تجسد روح الوطنية العالية، خاصة خلال عزف النشيد الوطني من نوافذ المنازل، وتبادل التحيات بين رجال الأمن و المواطنين.
– – ندرك حجم الآثار السلبية، التي خلفتها هذه الأزمة، ليس على المستوى الصحي فقط، وإنما أيضا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، شملت انعكاساتها مختلف القطاعات الإنتاجية، وتأثرت كثيرا مداخيل الأسر، وميزانية الدولة أيضا.
– أحدثنا صندوقا خاصا لمواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لهذا الوباء. وما أثلج صدرنا أن هذه المبادرة، لقيت حماسا تلقائيا، وتضامنا متواصلا.
– تمت تعبئة 33 مليارا و700 مليون درهم. وقد بلغ مجموع النفقات إلى حدود الآن 24 مليارا و650 مليون درهم، تم صرفها لتمويل تدابير الدعم الاجتماعي، وشراء المعدات الطبية الضرورية.
– – تم رصد خمسة ملايير لصندوق الضمان المركزي، في إطار إنعاش الاقتصاد.
– وجهنا الحكومة لدعم صمود القطاعات المتضررة، والحفاظ على مناصب الشغل، وعلى القدرة الشرائية للأسر، التي فقدت مصدر رزقها.
– – أقول بكل صدق: إن عواقب هذه الأزمة الصحية ستكون قاسية، رغم الجهود التي نقوم بها للتخفيف من حدتها.
– أدعو لمواصلة التعبئة واليقظة والتضامن، والالتزام بالتدابير الصحية، ووضع مخطط لنكون مجندين ومستعدين لمواجهة أي موجة ثانية من هذا الوباء، لا قدر الله، خاصة أمام التراخي الذي لاحظناه.
– عملنا لا يقتصر على مواجهة هذا الوباء فقط، وإنما يهدف أيضا إلى معالجة انعكاساته الاجتماعية والاقتصادية، ضمن منظور مستقبلي شامل، يستخلص الدروس من هذه المرحلة والاستفادة منها.
– إذا كانت هذه الأزمة قد أكدت صلابة الروابط الاجتماعية وروح التضامن بين المغاربة، فإنها كشفت أيضا عن مجموعة من النواقص، خاصة في المجال الاجتماعي. ومن بينها حجم القطاع غير المهيكل؛ وضعف شبكات الحماية الاجتماعية، خاصة بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، وارتباط عدد من القطاعات بالتقلبات الخارجية.
– – ينبغي أن نجعل من هذه المرحلة فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، وبناء مقومات اقتصاد قوي وتنافسي، ونموذج اجتماعي أكثر إدماجا.
حلول ملكية سامية ونظرات استشرافية ثاقبة
– نوجه الحكومة ومختلف الفاعلين للتركيز على التحديات والأسبقيات التي تفرضها المرحلة.
– – إطلاق خطة طموحة للإنعاش الاقتصادي تمكن القطاعات الإنتاجية من استعادة عافيتها، والرفع من قدرتها على توفير مناصب الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل.
– تعبئة جميع الإمكانات المتوفرة من تمويلات وتحفيزات، وتدابير تضامنية لمواكبة المقاولات، خاصة الصغرى والمتوسطة، التي
تشكل عمادا لنسيج الاقتصادي الوطني.
– – سيتم ضخ حوالي 120 مليار درهم في الاقتصاد الوطني، أي ما يعادل 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وهي نسبة تجعل المغرب من بين الدول الأكثر إقداما في سياسة إنعاش الاقتصاد بعد هذه الأزمة.
– ارتأينا إحداث صندوق للاستثمار الاستراتيجي مهمته دعم الأنشطة الإنتاجية، ومواكبة وتمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى بين القطاعين العام والخاص، في مختلف المجالات. ويجب أن يرتكز هذا الصندوق، بالإضافة إلى مساهمة الدولة، على تنسيق وعقلنة الصناديق التمويلية.
– – لضمان شروط نجاح هذه الخطة، ندعو الحكومة والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين للانخراط فيها، بكل فعالية ومسؤولية، في إطار تعاقد وطني بناء، يكون في مستوى تحديات المرحلة وانتظارات المغاربة.
– يجب الإسراع بإطلاق إصلاح عميق للقطاع العام، ومعالجة الاختلالات الهيكلية للمؤسسات والمقاولات العمومية، قصد تحقيق أكبر قدر من التكامل والانسجام في مهامها، والرفع من فعاليتها الاقتصادية والاجتماعية.
– ندعو لإحداث وكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، ومواكبة أداء المؤسسات العمومية.
أهداف طموحة وغايات ملكية سامية
– إن الهدف من كل المشاريع والمبادرات والإصلاحات التي نقوم بها، هو النهوض بالتنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية.
– – يأتي في مقدمة ذلك، توفير الحماية الاجتماعية لكل المغاربة، التي ستبقى شغلنا الشاغل، حتى نتمكن من تعميمها على جميع الفئات الاجتماعية.
– سبق لي أن دعوت في خطاب العرش لسنة 2018، للتعجيل بإعادة النظر في منظومة الحماية الاجتماعية، التي يطبعها التشتت، والضعف في مستوى التغطية والنجاعة.
– – نعتبر أن الوقت قد حان، لإطلاق عملية حازمة، لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال الخمس سنوات المقبلة.
– ندعو للشروع في ذلك تدريجيا، ابتداء من يناير 2021، وفق برنامج عمل مضبوط، بدءا بتعميم التغطية الصحية الإجبارية، والتعويضات العائلية، قبل توسيعه، ليشمل التقاعد والتعويض عن فقدان العمل.
– – يتطلب هذا المشروع إصلاحا حقيقيا للأنظمة والبرامج الاجتماعية الموجودة حاليا، للرفع من تأثيرها المباشر على المستفيدين، خاصة عبر تفعيل السجل الاجتماعي الموحد.
– ينبغي أن يشكل تعميم التغطية الاجتماعية، رافعة لإدماج القطاع غير المهيكل، في النسيج الاقتصادي الوطني.
– – ندعو الحكومة، بتشاور مع الشركاء الاجتماعيين لاستكمال بلورة منظور عملي شامل ، يتضمن البرنامج الزمني، والإطار القانوني، وخيارات التمويل، بما يحقق التعميم الفعلي للتغطية الاجتماعية.
– يجب اعتماد حكامة جيدة، تقوم على الحوار الاجتماعي البناء، ومبادئ النزاهة والشفافية، والحق والإنصاف، وعلى محاربة أي انحراف أو استغلال سياسوي لهذا المشروع الاجتماعي النبيل.
– – المرحلة المقبلة تتطلب تضافر جهود كل المغاربة لرفع تحدياتها.
– أتوجه لكل القوى الديمقراطية دون استثناء، وأخاطب فيها روح الغيرة الوطنية، والمسؤولية الفردية والجماعية، للانخراط القوي في الجهود الوطنية، لتجاوز هذه المرحلة، ومواجهة تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.
– – علينا أن نجعل من المكاسب المحققة في هذا الظرف القصير، منعطفا حاسما، لتعزيز نقط القوة التي أظهرها المغاربة، وتسريع الإصلاحات التي تقتضيها المرحلة، واستثمار الفرص التي تتيحها.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط: رئيس مجموعة رؤى فيزيون الإستراتيجية، ورئيس مكتب غرفة التجارة البرازيلية الإفريقية بالمغرب
