24 ساعة – متابعة
في تناقض صارخ بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني، ألقى رئيس أركان الجيش الجزائري، الجنرال سعيد شنقريحة، خطابا سلط الضوء على تآكل نفوذ بلاده في منطقة الساحل، واحتفى هذا الخطاب، بـ”الرؤية الاستراتيجية الحكيمة” للرئيس عبد المجيد تبون، ويأتي في وقت بالغ الحساسية تشهد فيه العلاقات الجزائرية-الساحلية تصدعا غير مسبوق، وفقا لما ذكرته صحيفة “ساحل أنتليجنس” المتخصصة.
عزلة متزايدة واتهامات مباشرة
بعد تعليق دول “تحالف دول الساحل” (مالي، بوركينا فاسو، والنيجر) علاقاتها الدبلوماسية مع الجزائر، بدأت هذه الأخيرة في الانكفاء الإقليمي، وتفاقمت الأزمة مع اتهامات مباشرة وعلنية من هذه الدول للنظام العسكري الجزائري بـ”دعم جماعات مسلحة وإرهابية”، تنشط في المنطقة وتهدد الأمن والاستقرار.
وما يزيد الأمر تعقيدا، أن هذه الاتهامات لم تعد مجرد شكاوى مبطنة، بل رافقتها تحركات ميدانية على شكل مناورات عسكرية تكتيكية واستراتيجية مشتركة بين الدول الثلاث وقوى دولية أخرى.. هذه الخطوات تعكس توجها جديدا لعواصم الساحل لتقليص نفوذ الجزائر كفاعل تقليدي في المنطقة.
وفي جوهره، أعاد خطاب الجنرال شنقريحة إنتاج مفردات مألوفة مثل “الاستقرار”، “السيادة”، و”مبادئ عدم التدخل”، لكنه تجاهل تماما القطيعة الحاصلة مع جيرانه المباشرين، والاتهامات المتكررة التي تطال المؤسسة العسكرية الجزائرية وأجهزتها الاستخباراتية.
ويرى مراقبون أن “ترديد شعارات السيادة” لم يعد كافيا لتغطية التراجع الفعلي في النفوذ الجزائري، في ظل عزلة دبلوماسية متفاقمة وتضييق داخلي مستمر يطال الصحافيين، والنشطاء، والنقابات، ومكونات الحراك المدني، إضافة إلى الحركات المطالبة بالاستقلال الذاتي في جنوب البلاد.
وأبرزت التقارير أن التوجس الإقليمي من الجزائر لم يعد مرتبطا فقط بخطابها السياسي أو تموضعها العسكري، بل بطريقة إدارتها للعلاقات، وتضارب تصريحات مسؤوليها، وعدم قدرتهم على بناء شراكات استراتيجية متوازنة.
وهذا الوضع دفع دول الساحل إلى البحث عن بدائل، سواء من خلال تنسيق أمني مباشر مع قوى غير مغاربية، أو عبر توطيد علاقات مع دول خليجية وآسيوية، ويأتي هذا في وقت يبدو فيه النظام الجزائري منشغلا بإعادة إنتاج نفس “الرؤية العسكرية الأحادية” التي عفا عنها الزمن، بحسب مراقبين.
في ظل هذه المعطيات، تبدو المؤسسة العسكرية الجزائرية، التي تمسك بمفاصل الحكم، عاجزة عن إقناع الجوار الإفريقي بمصداقية نواياها، أو تقديم تصور جديد للدور الجزائري في الساحل، بين خطاب يتغنى بالثوابت، وممارسة تغذي الشكوك، يتعمق الشرخ بين الجزائر وجوارها، وتتعزز صورة نظام “يرتدي بزّته العسكرية في زمن السياسة”، في وقت تبحث فيه المنطقة عن مداخل جديدة للأمن والتنمية بعيداً عن ثقل الماضي.