نشر بشراكة مع DW العربية
رُفع الستار عن مشروع قانون قادم لمكافحة الانفصالية في فرنسا، وبالرغم من تأكيدات القائمين أن القانون يشمل التهديدات العنصرية، يرى مراقبون أنه يستهدف بوضوح التطرف الإسلامي. التشريع أثار جدلا حادا داخل المجتمع قبل طرحه في وقت لاحق من هذا الخريف. وفي حين يرحب البعض بالجهود الحكومية من أجل محاربة النزعة الانفصالية، يخشى قادة الجالية المسلمة الفرنسية، والتي يبلغ عدد سكانها نحو ستة ملايين نسمة – وهي الأكبر في أوروبا الغربية – من أن تطبيق هذا القانون قد يؤثر عليهم بشكل غير عادل.
ويقول جواد بشاري، مدير جمعية “مكافحة الإسلاموفوبيا” في فرنسا، والتي اتُهمت بصلتها بجماعة الإخوان المسلمين: “نحن نقترب من نهاية ولاية ماكرون الأولى. ومع كل انتخابات تعود نفس الأسئلة للطرح داخل المجتمع وهي عن المسلمين، وتمويل دور العبادة”.
هجمات شارلي إيبدو
ويعد خطاب ماكرون الأخير بملاحقة النزعات المذكورة والجرائم المرتبطة بها. ويأتي ذلك بعد أيام فقط من طعن شخصين أمام المقر السابقلمجلة شارلي إبيدو الساخرة، فمن المتوقع أن يعزز مشروع هذا القانون ملاحقة تمويل المساجد والمدارس الدينية الأجنبية الخاصة، ونقابة الأئمة الأجانب، وزيادة المراقبة على الجمعيات والأفراد المشتبه في محاولة الانفصال عن الدولة الفرنسية. بما في ذلك في مجالات القطاع العام وفي الألعاب الرياضية، وحظر الجهود التي تهدد المساواة بين الجنسين، بما في ذلك “شهادات العذرية” قبل الزواج بالنسبة للمرأة المسلمة.
وقال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين، وهو حفيد مهاجر مسلم للإذاعة الفرنسية مؤخرا إنه “لا يوجد تعارض بين ان تكون مسلما ومواطنا فرنسيا)”. وأضاف أن التشريع الجديد يهدف إلى مهاجمة “أعداء فرنسا من الإرهابيين، والجماعات السياسية التي تهدد “النموذج الفرنسي لحرية التعبير، وطريقة عيشنا، والطريقة التي نعلم بها أطفالنا”. كما دعا ماكرون إلى حماية الأمة من القوى الانفصالية. في إشارة إلى ما حدث مؤخرا مع شارلي إيبدو.
وكان ماكرون قد صرح مرارا أنه “لن يكون هناك أي مكان في فرنسا للذين يحاولون فرض قانونهم الخاص ” باسم الله أو بمساعدة قوى اجنبية”.
انقسامات عميقة داخل المجتمع الفرنسي
حاول الرؤساء المتعاقبون في فرنسا وضع طابع فرنسي على الإسلام، بما يضمن تناغمه داخل المجتمع ويتماشى مع القيم العلمانية في البلاد. وبحال الرؤساء الآخرين حاول ماكرون أيضا. وقد يكون التشريع القادم خطوة أولى في هذا الاتجاه.
ويشير استطلاع للرأي أجرته أودوكسا- دينتوس هذا الشهر إلى أن الكثير من الفرنسيين أبدوا تأييدهم لهذ القانون. وقد وافق أكثر من ثلاثة أرباع المستطلعة آرائهم على وضع تشريعات خاصة لمكافحة الانفصالية، على الرغم من أن نصفهم تقريباً قلقون من أن ذلك قد يعمق الانقسامات داخل البلاد.
وما يعزز هذه الجهود الحكومية هو استطلاع آخر أجري مؤخراً أجرته مؤسسة ايفوب/ IFOP والذي بين أن نحو 74 بالمئة من المسلمين تحت سن 25 عامًا يقولون إنهم يضعون عقيدتهم في المقدمة مقابل قوانين الجمهورية الفرنسية.
وقال رئيس الوزراء الاشتراكي السابق مانويل فالس لصحيفة فرنسية مؤخرا: “دعونا لا نكون ساذجين” مشيرا الى أن “الموضوع الحقيقي هو المعركة ضد الإسلام السياسي للإخوان المسلمين والسلفيين”.
من جهته يؤكد المعلق السياسي ألكسندر ديل فالي على أهمية هذا القانون. حيث يصف كتاب شارك في تأليفه عام 2019 بعنوان “المشروع” الذي يشرح سعي الإخوان المسلمين المزعوم للتسلل إلى الغرب وقهره.
وقال ديل فالي: “لقد فهم الرئيس ماكرون أن عليه تعزيز القانون والنظام، لأننا حتى الآن لم نكن قادرين على مواجهة هذه الانفصالية الغريبة، التي كانت دائما مخفية من خلال الدين”.
وقال “لا أحد يمنع المسلمين من التوجه الى المسجد”، مضيفا: “نريد فقط حظر مشروعهم الشمولي والانفصالي والعنصري”.
لذلك ليس من المستغرب أن يرى عدد من القادة المسلمين الأمور بشكل مختلف. ويقولون إن التشريع القادم يخاطر بالمزيد من وصم الغالبية العظمى من المسلمين الفرنسيين الذين يمارسون عقيدتهم سلمياً.
وقال رئيس مسجد ليون كامل كبتان لصحيفة لوفيغارو إن “مفهوم الانفصالية هذا يزعجني كثيرا”. “لأن من يريد الانفصال ليس المسلمين، فهم يريدون الاندماج فقط”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتهم فيها الممارسات الإسلامية بأنها ضد القيم العلمانية الراسخة في فرنسا. وقد أثارت التدابير السابقة التي تحظر النقاب الذي يغطي الوجه، وأغطية الرأس في المدارس، والبوركيني على الشواطئ، على سبيل المثال، ادعاءات بالتعصب والتمييز.
في مبنى غير ملفت في زقاق ضيق خارج باريس – يهدف إلى إبقاء أماكن وجود الجمعية سرية – يشير باشاري من مقر جمعيته المناهضة للإسلاموفوبيا إلى زيادة مطردة في الأعمال المعادية للمسلمين في السنوات الأخيرة، لا سيما منذ هجمات باريس الإرهابية عام 2015. وقد وصل عدد هذه الهجمات إلى “ما يقرب من 800 في عام 2019″، وفقاً لإحصاءات جمعيته، وذلك بزيادة قدرها 77 بالمائة في غضون عامين.
ويؤكد باشاري أن “العنف لا ينتمي إلى مجتمع معين. ويوضح “الإرهاب لا ينتمي إلى مجتمع واحد، إنها ظاهرة يجب محاربتها بكل الوسائل الممكنة. لكن ليس من الصواب وصم مجتمع بأكمله لأن أحد الأعضاء ارتكب هجمات إرهابية”.