24 ساعة ـ عبد الرحيم زياد
تسليح دولة الإمارات العربية المتحدة للجيش الموريتاني ليس مجرد صفقة أسلحة عابرة أو تعبيرًا عن الدعم “الأخوي” الذي يطغى على الخطاب العربي الرسمي، بل هو مناورة جيوسياسية معقدة تحمل في طياتها تناقضات بين رؤية المغرب لدور موريتانيا الأمني والطموحات الإماراتية التي تتجاوز الإطار التقليدي لتحالفات شمال إفريقيا. يتناول هذا المقال خلفيات هذا التسليح، مخاوفه، ومزاياه المحتملة، مع التركيز على تداعياته على السيادة المغربية وديناميات المنطقة.
المغرب وموريتانيا: رؤية أمنية مركزية
يعتبر المغرب موريتانيا جزءًا لا يتجزأ من محيطه الأمني الغربي، وجدارًا خلفيًا يحمي استقرار ساحل الأطلسي من التمدد العسكري أو الإرهابي. هذه الرؤية تجعل الرباط تنظر بقلق إلى أي محاولة لإعادة تشكيل العقيدة العسكرية الموريتانية دون تنسيق مباشر معها. فالمغرب يسعى إلى مركزية القرار الأمني في المنطقة، سواء من خلال ضبط التوازنات في منطقة الكركرات أو عبر أدوار استخباراتية دقيقة تهدف إلى تعزيز ما يُعرف بـ”المجال الحيوي السيادي” الممتد من الداخلة إلى نهر السنغال.
تسليح الجيش الموريتاني من قِبل الإمارات، دون إشراك المغرب بشكل واضح، يثير تساؤلات حول مدى تأثير هذه الخطوة على هذا المجال الحيوي. فالمغرب يرى في موريتانيا شريكًا استراتيجيًا يجب أن يتحرك ضمن إطار تحالفاته، وليس كلاعب مستقل قد ينجرف نحو أجندات خارجية.
مزايا التسليح: تحصين أم تهديد؟
من زاوية أخرى، قد يُنظر إلى تعزيز القدرات الدفاعية الموريتانية كخطوة إيجابية حتى بالنسبة للمغرب. فتطوير الجيش الموريتاني يعني تحصين الحدود الشرقية مع الجزائر، حيث تظل جبهة “البوليساريو” مصدر تهديد مستمر. هشاشة الطوق الأمني بين موريتانيا ومالي تتيح للجماعات المسلحة استغلال الفراغ الأمني، مما يهدد استقرار المنطقة بأكملها. تعزيز قدرات نواكشوط قد يساهم في ضبط هذه الحدود وتقليل التسلل غير النظامي، مما يخفف الضغط الأمني على الأقاليم الجنوبية المغربية.
كذلك، يمكن أن يمنح هذا التسليح المغرب متنفسًا استراتيجيًا من خلال توزيع الأعباء الأمنية. فموريتانيا القوية عسكريًا قد تلعب دورًا أكثر فاعلية في مكافحة الإرهاب والتهريب، وهي أولويات مشتركة مع الرباط.
مخاوف الرباط: وجهة السلاح العقائدية
رغم المزايا المحتملة، فإن القلق المغربي لا ينبع من السلاح بحد ذاته، بل من “وجهته الفكرية والعقائدية”. فمن يصوغ العقيدة العسكرية للجيش الموريتاني؟ ومن يحدد أولوياته؟ هل يُنظر إلى “البوليساريو” كعدو رئيسي، أم أن هناك أصواتًا في نواكشوط ترى في التمدد المغربي تهديدًا ضمنيًا؟ هذه الأسئلة تكتسب أهمية في ظل النظام القبلي الموريتاني الذي يميل أحيانًا إلى تكتيكات “البقاء” على حساب التحالفات الثابتة.
تسليح موريتانيا دون شراكة استخباراتية مغربية يثير مخاوف من تحولها إلى أداة في استراتيجيات لا تتماشى بالضرورة مع مصالح الرباط. ففي عالم الجيوسياسة، السلاح لا يُمنح إلا لجيش يعبر عن رؤية حلف واضح. وإذا لم يكن هذا الحلف بقيادة المغرب، فمن يكون الشريك الحقيقي؟
الإمارات: طموح خليجي أم اختراق جيوسياسي؟
تُظهر الإمارات، من خلال هذا التسليح، طموحًا متزايدًا للعب دور أكبر في منطقة الساحل وشمال إفريقيا. هذه الخطوة قد تكون جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز النفوذ الخليجي في مناطق تقليديًا تخضع لتأثير قوى إقليمية مثل المغرب أو الجزائر. لكن هذا الطموح يصطدم بمركزية القرار المغربي الذي يرفض أن تتحول موريتانيا إلى رأس حربة ضمن استراتيجية لا يتحكم فيها.
الإمارات، بتسليحها لموريتانيا، قد تسعى إلى خلق توازنات جديدة في المنطقة، لكن هذا التوجه قد يُنظر إليه في الرباط كـ”تمرد السلاح” الذي يتحدى السيادة المغربية على محيطها الأمني.
موريتانيا: جسم رمادي بلا هوية أمنية
تقف موريتانيا اليوم في مفترق طرق جيوسياسي. فهي ليست مجرد متلقٍ للسلاح، بل طرف يبحث عن هوية أمنية واضحة في ظل تنافس المغرب والإمارات. غياب هوية أمنية ثابتة يجعلها عرضة لأن تكون ساحة صراع بين مركزية القرار المغربي وطموح الاختراق الخليجي. في هذه اللعبة، الحياد ليس خيارًا، إذ إن الدول التي تختار الحياد غالبًا ما تجد نفسها خارج معادلات القوة.
إعادة تدوير الورقة الموريتانية
في النهاية، يواجه المغرب خيارين: إما التعامل مع تسليح موريتانيا كتهديد يتطلب استباقًا استخباراتيًا وعسكريًا، أو إعادة تدوير هذه الورقة ضمن مقاربته التوسعية الهادئة. تعزيز الشراكة مع نواكشوط، خاصة على المستوى الاستخباراتي، قد يكون السبيل لضمان أن يظل السلاح الموريتاني موجهًا نحو أهداف مشتركة مع الرباط.
ما بين “احتياجات الأمن المغربي” و”طموحات السلاح الإماراتي”، تبقى موريتانيا رهينة صراع جيوعقائدي قد يحدد ليس فقط مستقبلها، بل استقرار منطقة الساحل بأكملها. وفي لعبة الأمم، لا يوجد مكان للأخطاء، ولا للحياد.
ملاحظة: هذا النص تحليلي مستلهم من النص الأصلي مع إعادة صياغة لتقديم رؤية شاملة ومنظمة. يُنسب الفضل إلى تحليل Al-Mohaid الأصلي، مع الإشارة إلى أن أي نقل لهذا النص يتطلب ذكر المصدر.