إعداد-عبد الرحيم زياد
تقدم جريدة “24 ساعة ” لقرائها بمناسبة شهر رمضان الأبرك حلقات متسلسلة على امتداد الشهر الفضيل من كتاب “مذكرات أسير الداي كاثكارت قنصل أمريكا في المغرب”، لمؤلفه “جيمس ليندر كاثكارت” والذي كان أسيرا لمدة 11 سنة في الفترة بين عامي 1785 إلى 1796، قضى منها مدة 7 سنوات بقصر الداي بالجزائر العاصمة.
خلال هذه المدة إطلع فيها الداي وخبر الأحوال الاقتصادية والثقافية للجزائر خلال تلك الفترة، وبعد إطلاق سراحه تم تعيينه قنصلا للولايات المتحدة الأمريكية بكل من طرابلس وتونس. كما عين قنصلا بكل من قادس الإسبانية وماديرا البرتغالية.
ما حدث لـ “جيمس ليندر كاثكارت” وما ضمته دفتي هذا الكتاب الذي ترجمه وحققه الدكتور اسماعيل العربي، يعتبر قصة رائعة، مليئة بالتشويق، وغنية بالمعطيات والمعلومات .
هو كتاب يستحق المتابعة فهو عبارة عن وثيقة تاريخية تسلط الضوء على فترة مهمة من تاريخ منطقة شمال افريقيا التابعة للإيالة التركية.
الحلقة التاسعة عشرة:
لقد كان من المستحيل أن أتحمل كل ما كان يساورني من القلق وما كنت أتعرض له من الاهانة لولا ثقتي الكاملة في سخاء بلدي ولولا اعتقادي بانه سوف يفديني وينقذني من آلام العبودية وقد كان يبدو لي ان من المستحيل على بلد لم يكد يخرج من قيود الاستعباد والاستعمار أن يترك رجالا حاربوا من أجل استقلاله في أغلال العبودية في بلاد البربر في الوقت الذي يمكن فيه شراء حريتهم بفدية لا تتجاوز مبلغ 50000 دولار .
انني لا أجهل العقبات التي كانت تواجهها حكومتنا قبل اعتماد الدستور الحالي ( الدستور الفيدرالي ) ، ومع ذلك ، فان اعتماد سياسة لفدية المواطنين في الحال تبدو لي ضرورة واضحة .
وهذا التحليل أكد ثقتي واملي على الرغم من معرفتي أن الخزينة الأمريكية كانت شبه فارغة في تلك الآونة . وقد كنت من السذاجة بحيث اعتقدت أن الحكومة سوف تقوم باستلاف المبلغ المطلوب في الحال ، وانه اذا لم تفعل ، فسوف يقوم بعض المواطنين بجمع تبرعات لهذه الغاية ، ولكن هذا التحايل لم يكن يأخذ الى الاعتبار موقف مستضيفي : كنفه عشر سنوات اذاقني خلالها من الهوان وذل العبودية ما يجعل حياة المسيحي كلها بؤسا وشقاء . وانا استطيع أن اؤكد أنه ما من طبقة من الناس أصابها الألم والعذاب في الثورة الأمريكية مثل ما أصاب الأمريكيين الذين أسرهم الجزائريون في سنة 1785 .
كان تقدم من الداي محمد باشا حائلا دون قيامه بزيارة جميع أجنحة القصر في أوقات متقاربة كما كان يفعل قبل ذلك ، فهو لم يعد يغشى الحمام الحديقة سوى مرة في الشهر ، وهو يحضر دائما قبل طلوع الشمس . ولما تخلص الخازندران من الخوف من تقديم العبيد شكاوي للداي ضد تعسفهما وطغيانهما أمعنا اضطهادهما وتعذيبهما للعبيد ، بحيث كان الواحد منهما لا ينزل الى الحديقة دون أن يحمل عصى في يده ، وقلما يخرج منها دون أن يستعملها في جسم أحد العبيد التمساء ، وقد كنت أنا الضحية المفضلة لغضبهما وتعسفهما . كان لديهما مدفعان صغيران مصنوعان من النحاس وكانا يتصليان باطلاقهما على هدف معين ، ومتى فشل احدهما في اصابة الهدف ، فويل للعبد الذي يجده على مقربة منه .