24 ساعة-متابعة
أكدت دراسة حديثة أن المبادرة الأطلسية المغربية، التي أعلن عنها الملك محمد السادس في نونبر 2023، تشكّل مشروعًا استراتيجيًا لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية والتجارية في القارة الإفريقية، خاصة في منطقة الساحل.
وأوضحت الدراسة، التي أنجزها الباحثان علي الغنبوري ومشيج القرقري، أن هذه المبادرة تدمج الأبعاد السياسية والاقتصادية، وتدعم مسارات الإصلاح السياسي والمؤسساتي عبر تقوية القدرات السيادية للدول الإفريقية المعنية.
وسلطت الورقة، التي حملت عنوان “المبادرة الأطلسية المغربية.. فرص اقتصادية وتحولات جيوسياسية”، الضوء على الطابع العملي للمبادرة، معتبرة أنها تختلف عن تجارب التكامل الإفريقي السابقة التي اصطدمت بضعف الإرادة السياسية، وتضارب المصالح، وهشاشة البنيات التحتية. وأشارت إلى أن جاهزية الموانئ وشبكات الربط اللوجستي تمنح المشروع قابلية تطبيق أعلى.
تحالف إفريقي–أطلسي في مواجهة التحديات
اعتبر الباحثان أن المبادرة تمثل امتدادًا للنموذج المغربي في شراكات الجنوب–جنوب، وتوفر أرضية لبناء تحالف إفريقي–أطلسي مرن قادر على مواكبة التحولات العالمية والتعامل مع التحديات الإقليمية بفعالية.
على المستوى السياسي، أكدت الدراسة أن إشراك دول الساحل في هذه الدينامية من شأنه أن يعزز حضور الدولة الوطنية، ويدعم جهود الإصلاح المؤسساتي، ويقلل من فرص تغلغل الجماعات المتطرفة وشبكات التهريب، مما ينعكس إيجابًا على الاستقرار الإقليمي.
أما على المستوى الإقتصادي، فترى الدراسة أن المبادرة تفتح آفاقًا واسعة لتحديث البنى التحتية، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، والانخراط في مشاريع واعدة بمجالات الطاقات النظيفة والتصنيع المحلي وربط الأسواق الداخلية، مما يساهم في تنويع الاقتصاد وتجاوز الاعتماد على الموارد الأولية.
الحد من التبعية وتوفير بدائل استراتيجية
تطرقت الورقة إلى مشكلة التبعية التي تعاني منها دول الساحل للمعابر التجارية في غرب إفريقيا، والتي تتسم بالازدحام وضعف الحكامة وهشاشة الأمن، معتبرة أن المبادرة توفر بدائل استراتيجية تسهم في تقليص هذه التبعية وتعزيز السيادة الاقتصادية.
كما شددت على أن فك التبعية لا يعني القطيعة، بل بناء منظومة تجارية متعددة المسارات تتيح لهذه الدول التفاوض من موقع قوة، وتضمن انفتاحها على أسواق أوسع في إطار من التوازن والتعاون.
ولفتت الدراسة إلى ضعف اندماج دول الساحل في التجارة العالمية، حيث لا تتجاوز نسبة التجارة الخارجية لديها 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما لا تتعدى التجارة البينية 5 في المئة، نتيجة غياب منفذ بحري مباشر. وأضافت أن ذلك يحد من تنافسية صادراتها ويجعلها رهينة ممرات برية تمر عبر مناطق غير مستقرة.
مقترحات لتعزيز الربط اللوجستي والتكامل الإقليمي
اقترحت الدراسة فتح منفذ أطلسي مباشر لدول الساحل عبر الأراضي المغربية أو من خلال شراكات ثلاثية مع الدول الساحلية، مما قد يقلص التكاليف اللوجستية ويعزز من فرص التبادل التجاري والاستثمار في قطاعات حيوية مثل الفلاحة والطاقة والتعدين.
وأوصت الوثيقة، التي أشرف على إعدادها مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، بتطوير شبكات النقل والموانئ، وتعزيز الأطر المؤسساتية بين القطاعين العام والخاص لضمان التنسيق الفعال وتنفيذ السياسات المشتركة بكفاءة وشفافية.
وخلصت الدراسة إلى إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني في المبادرة، عبر تعبئة التمويلات، وتوفير الخبرات، وتحفيز الاستثمار في قطاعات استراتيجية مثل الطاقات المتجددة والتعليم والصناعات التحويلية.