د. خالد فتحي*
دعونا نقول أولا إن مناصرة الشرعية ليست سوى قميص عثمان الذي يرفعه كل المتدخلين في الأزمة الليبية ،وأن البحث عن المصالح هو مايحرك الجميع على الميدان لأجل اغتنام الثروة الليبية ، ووضع اليد قبل الآخرين على مدخرات النفط والغاز الذين يغرق في بحر نقمتهما الآن هذا القطر المغاربي الشقيق حيث يلتقي شرق العالم العربي بغربه. …هذا القطر المنكوب الذي بعد أن مكرت الثورة به ،وأجهضت مخرجات الربيع العربي آمال شعبه المجاهد في كسب رهان التقدم والبناء والازدهار ، هاهو يفيق مخذولا من سكرة الثورة ،و قد أصبح فيه أبناء الوطن الواحد على غير قلب رجل واحد، حيث يكتشفون مصدومين أن بلدهم ليبيا قد تقطعت بها السبل وتفرق دمها بين الدول المتكالبة، وانها صارت كما تبدو لنا الآن يتيمة او كاليتيمة في مأدبةالقوىالإقليميةوالدولية.
كل من يسعى لموطئ غاز أو أنبوب نفط في ليبيا ، عليه يجد له أولا و بطبيعة الحال مستقبلا،حاضنا، أومحميا . إذ هكذا تبدأ عادة الفتنة العمياء ، و تنشب الحرب الطويلة الطاحنة ،ويحل الاستعمار الغاشم .فما أشبه اليوم بالبارحة في الوطن الليبي أو في الوطن العربي حين كان الاستعمار يحط رحاله فيه ذات تقهقر حضاري مستقلا طلاب الحماية الأجنبية .
كل طرف دولي يجوس في ليبيا،له مبررات ينثرها في وجه المنتظم الدولي التي يشرح من خلالها وجوده بارضها ، ليسوغ لماذا قام ببعث فيالقه و قواته اليها، أو لماذا يستعد للقيام بهذا الأمر .
ولذلك تتوالى أمامنا الان حول الوضع الليبي أطروحات متكافئة الدفوعات دوليا تتواجه بينها سياسيا قبل أن تتقابل عسكريا ، و هناك فضائيات ومحللون يتقاذفون التهم والتعليقات ،وحتى جراد الكتروني يدق طبول الحرب ،و ينجز الحرب النفسية ضد الخصم مروجا لمن يرشحه مالكا للشرعية اي لمن يعتقده مؤهلا لحكم البلاد :
من يناصرون السراج وحكومة الوفاق ،يدفعون بأنها الحكومة المعترف بها دوليا لما بعد اتفاق الصخيرات في ديسمبر2015 و يحتجون بتمثيلها لليبيا في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وحتى لدى عديد الدول المساندة لحفتر، لكن خصومهم يردون عليهم بأنها حكومة قد فشلت في كل شيء: لم تجمع سلاحا ،ولم تحل مليشيات، ولم تصغ دستورا، ولا دبرت عدالة انتقالية ،وانها أيضا لم تحز موافقة البرلمان على تنصيبها و”الأنكى” من ذلك أن مدة صلاحيتها كانت سنتان بينما نحن الان على مسافة خمس سنوات من اتفاق الصخيرات.
من يدعمون حفتر ييفعلون ذلك باعتباره أمرا واقعا كونه قد أضحى رقما في معادلة الحكم الصعبة بعد مساندته من طرف البرلمان الليبي الذي يعد المؤسسة الوحيدة المتخبة إلى الآن،و بعد التفاف عدد من القبائل حوله، وكذلك لامتلاكه للقوة العسكرية، زيادة على بسط نفوذه على جزء مهم من أرض ليبيا، لكن خصومهم في المقابل يعتبرونه مجرد جنرال مغامر باع نفسه للشيطان وانه عديم الشرعية السياسية، بل و يرونه مجرد متمرد على السلطة الشرعية التي تمثلها الوفاق، وأنه إن كان يحظى الان باعتراف الكثير من الأطراف الدولية مما يضمن له مكانا ومعقدا في كل المفاوضات الخاصة بمستقبل ليبيا، الا انهم ينبهون لكون ذلك تكرس فقط بفعل الحسابات و التجاذبات الإقليمية لا غير و التي جعلت البعض يسعى لتوظيفه في كبح جماح الإسلام السياسي ،
المؤكد أن الخلاف بين هذين الغريمين الأساسيين في الأزمة الليبية قد استفحل وتوطن، بل هو في طريقه في أفضل السيناريوهات إلى تأبيد تقسيم البلاد وفي اسوئها إلى صوملتها أو سرونتها ،ولم لا الى إفراز نموذج ليبي ” أصيل” في الفرقة والاقتتال يفوق ماقد جرى بالبلدين سوريا والصومال مجتمعتين.
البحث عن هذه الشرعية المتمنعة، هو ما دفع الرئيس التونسي قيس سعيد إلى أن يجتهد انطلاقا من خلفيته كأستاذ قانون دستوري،و كذلك من حرصه على مايراه يصب في مصلحة تونس ايضا ،بأن يقترح العودة خطوة الى ما وراء مشهد الفريقين المتصارعين ، ليدعو الى التماس هذه الشرعية في عامل شرعية ثابث و غير متغير هو العامل القبلي من خلال مجلس قبائلي يكون مصدرا للشرعية القادمة.مجلس يكون من صلاحياته أن يضع دستورا، و أن يرسم خارطة طريق للحل الدائم .و هذا اقتراح فيه ذكاء ،وربما طوباوية و صدق طوية، أو لنقل إنه الاقتراح الممكن تونسيا للبقاء على الحياد بليبيا. إعمال هذا الحل يفترض أن الأطراف المتصارعة في الداخل الليبي تحوز حرية القرار وتتمتع بحسن النية لأجل انقاذ البلاد ،وهذا امر مستبعد جدا بعد ان تورطت جميعها في طلب المظلة العسكرية الخارجية.
ولكني اعتقد ان هناك حلا آخر لمشكلة الشرعية ينبع من اعادة طرحها في جذورها العميقة في الحالة الليبية داخل هذا المنتظم الدولي الذي عليه أن يتفق أولا أن أية حرب أهلية في ليبيا لن تكون في مصلحة أحد ،بل ستكون وبالتأكيد فقط مفرخة أخرى للإرهاب الذي سيطوح بالاستقرار في جنوب البحر المتوسط و الذي ستمتد شظايا حروبه لشمال هذا البحر ،بل ولكل العالم في تشكل جديد لأفكار التطرف والتشدد التي تتغذى من الاحساس بالظلم وغبن التعرض للمؤامرة .
الحل القبائلي التي تبعت فيه الجزائر تونس لم يذهب إلى مداه الأقصى ،فإذا كنا نبحث عن شرعية سابقة عن الشرعية الثورية المترنحة للربيع العربي الذي أفرز تناقضات بليبيا يستحيل تدبيرها الان دون خسارة ليبيا نفسها ،فالاحرى بنا إذن ان نبحث لليبيا عن شرعية أصلب تكون انجع من الشرعية القبائلية، والتي ليست سوى الشرعية الملكية،هذه الشرعية التي اطيح به قبل عقود من خلال انقلاب القذافي .وهو الانقلاب الذي لم يكن له الحس الديمقراطي ليلغي باستفتاء شعبي دستور 1951 المعدل سنة 1963 للمملكة الليبية المتحدة .وخصوصا وان هذه الشرعية كانت تحظى آنذاك بتأييدوهذه القبائل، لان الحركة السنوسية التي حكمت ليبيا كانت حركة دعوية وسطية تتسامى عن النزعة القبلية و تسعى لنشر رسالة التسامح التي يبشر بها دين الإسلام.
اذا كان المجتمع الدولي تهمه مصلحة ليبيا ،فليضرب صفحا عن كل المرحلة الثورية التي بدأت منذ، القذافي و التي تستمر بثورة أخرى الآن و لكن بشكل مأساوي بحيث لم تبن دولة عصرية مدنية في كلتا الثورتين ، ولم تفرز ديمقراطية ولا حكما مركزيا متنورا أو حتى غير متنور، بل هدمت فقط مشروع الدولة الحديثة الذي كانت تلوح تباشيره شبه واضحة في ليبيا الملك ادريس .
النظام الملكي الدستوري هو القادر على ضمان وحدة ليبيا ، اختصار الطريق نحو الحل ،تنظيم انتخابات لا تهدد الاستقرار بليبيا،وافراز حكومة تتناوب فيها الاحزاب ،وبالتالي كسب وقت ثمين يستثمر في اعادة اعمار ليبيا الآن وليس غدا ، ثم إن للمجتمع الدولي إسوة حسنة في الأنظمة الملكية العربية التي استطاعت كلها أن تتجاوز اختبار الربيع العربي بأخف الخسائر كالمغرب والاردن .
اعتقد ان اغلب الجمهوريات التي أعقبت موجة الاستقلال بالعالم العربي خلال مرحلة الحرب الباردة قد اثبث عدم صلاحيتها للتربة العربية ،وأن الملكيات الدستورية هي الوصفة السحرية لبلداننا العربية لان لها شرعية راسخة ضاربة في التاريخ، ولأنها توافق شئنا أم ابينا المزاج العربي حيث تتمكن من اجتياز المخاضات الصعبة لولادة الديموقراطية الحقة.
من مصلحة دول المغرب العربي، وهي الدول التي يهمها أكثر من الجميع استقرار ليبيا ،أن تضع في الحسبان هذا الحل أيضا، لانه حل” ملكي” بامتياز سوف يعيد الوئام والأمن لشقيقتنا ليبيا، وسيجنبها تهافت المطامع الدولية .فهل يترك المتربصون ليبيا تدبر حالها ؟؟ هل يرحمها المجتمع الدولي؟؟ هل يغيثها اخوتها المغاربيون؟؟ والأهم من كل ذلك هل يتعقل الليبيون ويفكرون ببرجماتية أو بنفعية فيما يخدم مصلحتهم ليختاروا أفضل الحلول وانسبها لهم لا لغيرهم ؟؟؟.هذه الأسئلة تقودنا لسؤال مصيري:من أين يتعين أن نبدأ؟؟ وما العمل؟؟؟.
أعتقد بتلخيص شديد ان فكرة الرئيس التونسي قيس سعيد عن الرجوع إلى منظومة القبائل الليبية، واعتمادها كدعامة اجتماعية للتوافقات القادمة ،هي فكرة في غاية الأهمية، لكن تظل ناقصة في غياب هذه القوة الأخرى التي كانت تمثل نقطة ارتكاز لهذه المنظومة القبائلية، وتشكل جامعا لتنوعاتها واختلافاتها ،إنها المؤسسة الملكية الليبية التي أطاح بها انقلاب1969.فالوضعية الحالية المطبوعة بالفرقة والاختلاف في حاجة إلى حضور وإحضار ممثل عن المؤسسة الملكية في أي حوار مقبل بخصوص ليبيا ، فقد لا يجد هذا الصراع وهذا الانقسام حلهما، إلا في مؤسسة تشخص وحدة الأمة ويقع عليها إجماع كل الأطراف، ولن تكون هذه المؤسسة في رأيي سوى المؤسسة الملكية.والله أعلم .
كل من يسعى لموطئ غاز أو أنبوب نفط في ليبيا ، عليه يجد له أولا و بطبيعة الحال مستقبلا،حاضنا، أومحميا . إذ هكذا تبدأ عادة الفتنة العمياء ، و تنشب الحرب الطويلة الطاحنة ،ويحل الاستعمار الغاشم .فما أشبه اليوم بالبارحة في الوطن الليبي أو في الوطن العربي حين كان الاستعمار يحط رحاله فيه ذات تقهقر حضاري مستقلا طلاب الحماية الأجنبية .
كل طرف دولي يجوس في ليبيا،له مبررات ينثرها في وجه المنتظم الدولي التي يشرح من خلالها وجوده بارضها ، ليسوغ لماذا قام ببعث فيالقه و قواته اليها، أو لماذا يستعد للقيام بهذا الأمر .
ولذلك تتوالى أمامنا الان حول الوضع الليبي أطروحات متكافئة الدفوعات دوليا تتواجه بينها سياسيا قبل أن تتقابل عسكريا ، و هناك فضائيات ومحللون يتقاذفون التهم والتعليقات ،وحتى جراد الكتروني يدق طبول الحرب ،و ينجز الحرب النفسية ضد الخصم مروجا لمن يرشحه مالكا للشرعية اي لمن يعتقده مؤهلا لحكم البلاد :
من يناصرون السراج وحكومة الوفاق ،يدفعون بأنها الحكومة المعترف بها دوليا لما بعد اتفاق الصخيرات في ديسمبر2015 و يحتجون بتمثيلها لليبيا في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وحتى لدى عديد الدول المساندة لحفتر، لكن خصومهم يردون عليهم بأنها حكومة قد فشلت في كل شيء: لم تجمع سلاحا ،ولم تحل مليشيات، ولم تصغ دستورا، ولا دبرت عدالة انتقالية ،وانها أيضا لم تحز موافقة البرلمان على تنصيبها و”الأنكى” من ذلك أن مدة صلاحيتها كانت سنتان بينما نحن الان على مسافة خمس سنوات من اتفاق الصخيرات.
من يدعمون حفتر ييفعلون ذلك باعتباره أمرا واقعا كونه قد أضحى رقما في معادلة الحكم الصعبة بعد مساندته من طرف البرلمان الليبي الذي يعد المؤسسة الوحيدة المتخبة إلى الآن،و بعد التفاف عدد من القبائل حوله، وكذلك لامتلاكه للقوة العسكرية، زيادة على بسط نفوذه على جزء مهم من أرض ليبيا، لكن خصومهم في المقابل يعتبرونه مجرد جنرال مغامر باع نفسه للشيطان وانه عديم الشرعية السياسية، بل و يرونه مجرد متمرد على السلطة الشرعية التي تمثلها الوفاق، وأنه إن كان يحظى الان باعتراف الكثير من الأطراف الدولية مما يضمن له مكانا ومعقدا في كل المفاوضات الخاصة بمستقبل ليبيا، الا انهم ينبهون لكون ذلك تكرس فقط بفعل الحسابات و التجاذبات الإقليمية لا غير و التي جعلت البعض يسعى لتوظيفه في كبح جماح الإسلام السياسي ،
المؤكد أن الخلاف بين هذين الغريمين الأساسيين في الأزمة الليبية قد استفحل وتوطن، بل هو في طريقه في أفضل السيناريوهات إلى تأبيد تقسيم البلاد وفي اسوئها إلى صوملتها أو سرونتها ،ولم لا الى إفراز نموذج ليبي ” أصيل” في الفرقة والاقتتال يفوق ماقد جرى بالبلدين سوريا والصومال مجتمعتين.
البحث عن هذه الشرعية المتمنعة، هو ما دفع الرئيس التونسي قيس سعيد إلى أن يجتهد انطلاقا من خلفيته كأستاذ قانون دستوري،و كذلك من حرصه على مايراه يصب في مصلحة تونس ايضا ،بأن يقترح العودة خطوة الى ما وراء مشهد الفريقين المتصارعين ، ليدعو الى التماس هذه الشرعية في عامل شرعية ثابث و غير متغير هو العامل القبلي من خلال مجلس قبائلي يكون مصدرا للشرعية القادمة.مجلس يكون من صلاحياته أن يضع دستورا، و أن يرسم خارطة طريق للحل الدائم .و هذا اقتراح فيه ذكاء ،وربما طوباوية و صدق طوية، أو لنقل إنه الاقتراح الممكن تونسيا للبقاء على الحياد بليبيا. إعمال هذا الحل يفترض أن الأطراف المتصارعة في الداخل الليبي تحوز حرية القرار وتتمتع بحسن النية لأجل انقاذ البلاد ،وهذا امر مستبعد جدا بعد ان تورطت جميعها في طلب المظلة العسكرية الخارجية.
ولكني اعتقد ان هناك حلا آخر لمشكلة الشرعية ينبع من اعادة طرحها في جذورها العميقة في الحالة الليبية داخل هذا المنتظم الدولي الذي عليه أن يتفق أولا أن أية حرب أهلية في ليبيا لن تكون في مصلحة أحد ،بل ستكون وبالتأكيد فقط مفرخة أخرى للإرهاب الذي سيطوح بالاستقرار في جنوب البحر المتوسط و الذي ستمتد شظايا حروبه لشمال هذا البحر ،بل ولكل العالم في تشكل جديد لأفكار التطرف والتشدد التي تتغذى من الاحساس بالظلم وغبن التعرض للمؤامرة .
الحل القبائلي التي تبعت فيه الجزائر تونس لم يذهب إلى مداه الأقصى ،فإذا كنا نبحث عن شرعية سابقة عن الشرعية الثورية المترنحة للربيع العربي الذي أفرز تناقضات بليبيا يستحيل تدبيرها الان دون خسارة ليبيا نفسها ،فالاحرى بنا إذن ان نبحث لليبيا عن شرعية أصلب تكون انجع من الشرعية القبائلية، والتي ليست سوى الشرعية الملكية،هذه الشرعية التي اطيح به قبل عقود من خلال انقلاب القذافي .وهو الانقلاب الذي لم يكن له الحس الديمقراطي ليلغي باستفتاء شعبي دستور 1951 المعدل سنة 1963 للمملكة الليبية المتحدة .وخصوصا وان هذه الشرعية كانت تحظى آنذاك بتأييدوهذه القبائل، لان الحركة السنوسية التي حكمت ليبيا كانت حركة دعوية وسطية تتسامى عن النزعة القبلية و تسعى لنشر رسالة التسامح التي يبشر بها دين الإسلام.
اذا كان المجتمع الدولي تهمه مصلحة ليبيا ،فليضرب صفحا عن كل المرحلة الثورية التي بدأت منذ، القذافي و التي تستمر بثورة أخرى الآن و لكن بشكل مأساوي بحيث لم تبن دولة عصرية مدنية في كلتا الثورتين ، ولم تفرز ديمقراطية ولا حكما مركزيا متنورا أو حتى غير متنور، بل هدمت فقط مشروع الدولة الحديثة الذي كانت تلوح تباشيره شبه واضحة في ليبيا الملك ادريس .
النظام الملكي الدستوري هو القادر على ضمان وحدة ليبيا ، اختصار الطريق نحو الحل ،تنظيم انتخابات لا تهدد الاستقرار بليبيا،وافراز حكومة تتناوب فيها الاحزاب ،وبالتالي كسب وقت ثمين يستثمر في اعادة اعمار ليبيا الآن وليس غدا ، ثم إن للمجتمع الدولي إسوة حسنة في الأنظمة الملكية العربية التي استطاعت كلها أن تتجاوز اختبار الربيع العربي بأخف الخسائر كالمغرب والاردن .
اعتقد ان اغلب الجمهوريات التي أعقبت موجة الاستقلال بالعالم العربي خلال مرحلة الحرب الباردة قد اثبث عدم صلاحيتها للتربة العربية ،وأن الملكيات الدستورية هي الوصفة السحرية لبلداننا العربية لان لها شرعية راسخة ضاربة في التاريخ، ولأنها توافق شئنا أم ابينا المزاج العربي حيث تتمكن من اجتياز المخاضات الصعبة لولادة الديموقراطية الحقة.
من مصلحة دول المغرب العربي، وهي الدول التي يهمها أكثر من الجميع استقرار ليبيا ،أن تضع في الحسبان هذا الحل أيضا، لانه حل” ملكي” بامتياز سوف يعيد الوئام والأمن لشقيقتنا ليبيا، وسيجنبها تهافت المطامع الدولية .فهل يترك المتربصون ليبيا تدبر حالها ؟؟ هل يرحمها المجتمع الدولي؟؟ هل يغيثها اخوتها المغاربيون؟؟ والأهم من كل ذلك هل يتعقل الليبيون ويفكرون ببرجماتية أو بنفعية فيما يخدم مصلحتهم ليختاروا أفضل الحلول وانسبها لهم لا لغيرهم ؟؟؟.هذه الأسئلة تقودنا لسؤال مصيري:من أين يتعين أن نبدأ؟؟ وما العمل؟؟؟.
أعتقد بتلخيص شديد ان فكرة الرئيس التونسي قيس سعيد عن الرجوع إلى منظومة القبائل الليبية، واعتمادها كدعامة اجتماعية للتوافقات القادمة ،هي فكرة في غاية الأهمية، لكن تظل ناقصة في غياب هذه القوة الأخرى التي كانت تمثل نقطة ارتكاز لهذه المنظومة القبائلية، وتشكل جامعا لتنوعاتها واختلافاتها ،إنها المؤسسة الملكية الليبية التي أطاح بها انقلاب1969.فالوضعية الحالية المطبوعة بالفرقة والاختلاف في حاجة إلى حضور وإحضار ممثل عن المؤسسة الملكية في أي حوار مقبل بخصوص ليبيا ، فقد لا يجد هذا الصراع وهذا الانقسام حلهما، إلا في مؤسسة تشخص وحدة الأمة ويقع عليها إجماع كل الأطراف، ولن تكون هذه المؤسسة في رأيي سوى المؤسسة الملكية.والله أعلم .
*بروفيسور بكلية الطب بالرباط