24 ساعة- محمد أسوار
أحداث كثيرة طبعت التاريخ المعاصر للمغرب، وألقت بظلالها، إيجابا أو سلبا، على الشأن السياسي والاقتصادي والفكري للمملكة، بعضها يتذكرها الجيل الجديد من المغاربة وأخرى صارت في خبر كان.
في هذه الزاوية والتي تنشر على شكل حلقات رمضانية، تنبش ” 24 ساعة” في الذاكرة المغربية، من خلال محطات بارزة، سواء كانت أحداثا أو شخصيات، طبعت حقبة معينة من تاريخنا المعاصرة.
الحلقة الرابعة: التريكي.. الدبلوماسي الذي أصر عليه القذافي أن يقول للحسن الثاني “أنت رجعي”!
هناك بعض خفايا السياسة التي لا يدركها العموم حتى يمر على تاريخ وقوعها بعضا من الزمن؛ “كواليس” تحمل حقائق عن العلاقة التي تجمع بين زعماء الدول لا يمكن الكشف عنها في وقتها. ومن تلك الخبايا تلك العلاقة التي لا يطبعها الود والتي كانت تجمع الملك الراحل الحسن الثاني والزعيم الليبي المغدور به معمر القذافي، كشف جانبا منها الدبلوماسي الليبي الأسبق، عبد السلام التريكي في مذكرات له.
من هو علي التريكي؟
ولد الدكتور علي عبد السلام التريكي سنة 1938 بمدينة مصراتة وسط ليبيا، هو سياسي ودبلوماسي من المستوى الرفيع، عمل وزير خارجية ليبيا بين سنتي 1977 و 1980. اشتغل ممثلا لليبيا لدى جامعة الدول العربية في الفترة الممتدة ما بين1991وسنة 1994، كما عين سفيرا لليبيا في فرنسا في الفترة 1995و 1999. كما شغل منصب أمين شؤون الاتحاد الأفريقي في ليبيا منذ عام 2004، وفي 10 يونيو 2009، عين رئيس الدورة الرابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
حصل علي عبد السلام التريكي على درجة الاجازة في التاريخ من جامعة قاريونس ببنغازي في ليبيا، كما حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ السياسي من جامعة تولوز، فرنسا. وهو يتقن اللغات العربية والإنگليزية والفرنسية.
يملك التريكي خبرة ومعرفة عميقة بقضايا الأمم المتحدة، مكنته من رئاسته لجمعيتها العامة خلال دورتها الرابعة والستون. عمل ثلاث مرات ممثلا دائما لبلده لدى الهيئة العالمية من عام 1982 إلى 1984 وهي الفترة التي رأس خلالها أيضا اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة المعنية بإنهاء الاستعمار، ومثّل ليبيا في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الفترة ما بين 1986 و1990، ثم في الآونة الأخيرة، في عام 2003. وعمل في وقت سابق، في عام 1982، نائبا لرئيس الجمعية العامة في دورتها السابعة والثلاثين.
يحمل الدكتور التريكي سجلا طويلا في المجال العمل الدبلوماسـي والعلاقات الدولية، حيث عمل سفيرا لليبيا في فرنسا من عام 1995 إلى 1999، وممثلا دائما لليبيا لدى جامعة الدول العربيـة في القاهـرة بمصر في الفترة ما بين 1991 و1994، ووزيرا للخارجية في الفترة ما بين 1977 و1980.
لعب التريكي دورا هاما في إنشاء الاتحاد الأفريقي، وأسهم بصورة مباشرة في جهود الوساطة في العديد من النزاعات في أفريقيا، ولا سيما في السودان، وتشاد، وبين إثيوبيا واريتريا، وجيبوتي واريتريا كذلك، وفي أنحاء أخرى من العالم، كالبوسنة والهرسك، وقبرص، والفلبين.
كما قاد التريكي وفد الجماهيرية العربية الليبية في العديد من المؤتمرات ومؤتمرات القمة الأفريقية، والمؤتمرات الوزارية لمنظمة الوحدة الأفريقية السابقة، والمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي في الآونة الأخيرة. وعلاوة على ذلك، رأس الوفد الليبي في مؤتمرات القمة ومؤتمرات جامعة الدول العربية، وترأس أيضا مجلس وزراء جامعة الدول العربية من 1976 إلى 1977. وقاد أيضا وفد بلاده في مؤتمرات القمة الإسلامية والاجتماعات السنوية لوزراء خارجيتها، وترأس مجلس وزراء الدول الإسلامية. وترأس كذلك وفد ليبيا في الاجتماعات الوزارية لحركة عدم الانحياز، وكذلك في مؤتمر قمتها المعقود في كوبا عام 1979.
نال التريكي درجة الدكتوراه الفخرية من عدة جامعات في الولايات المتحدة، وأوروبا، وأفريقيا، وآسيا، ونال أيضا أوسمة من عدد من الحكومات في العالم.
“الحسن الثاني الرجعي!”
كان الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي، يصر على أن يكون علي عبد السلام التريكي، على رأس الوفود التي يرسلها إلى المغرب لملاقاة مسؤوليه وحتى الملك الحسن الثاني الذي كانت تجمعه علاقة سيئة بالقذافي، وصلت حد محاولة كل منهما اغتيال الآخر، وفق ما ورد في كتاب ” ذاكرة الملك”، حيث يقول العاهل المغربي الراحل جوابا على سؤال حول عدد المرات التي حاول فيها القذافي الاطاحة بنظام: “لا علم لي بعدد المرات التي حاول فيها ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لنقل مرات عديدة…”( كتاب ذاكرة ملك ص 85 ).
هذه العلاقة غير الودية، دفعت القذافي إلى الاصرار على مبعوثه علي عبد السلام التريكي، الذي كان حينها وزير للخارجية الليبية، أن ينعث الحسن الثاني بـ “الرجعي”. عن هذه الواقعة يقول عبد السلام التريكي في مذكراته: “لم يكن معمر القذافي يراعي الأصول الديبلوماسية…طلب مني ذات مرة أن أنقل رسالة إلى الملك الحسن الثاني وأصر أن أقول للعاهل المغربي إن نظامك رجعي” واتهامات أخرى. “تصور أن يصل مبعوث إلى دولة ليبلغ ملكها أو رئيسها بأنه رجعي وعميل لم نكن ننقل مثل هذا الكلام طبعا”.
التريكي كانت تجمعه علاقة ودية قوية مع الراحل الحسن الثاني، رغم “حماقات” الزعيم الليبي الأسبق، وفي هذا الصدد قال عن آخر لقاء جمعه بالحسن الثاني: “ذهبت إلى الملك الحسن الثاني لأسلمه دعوة لحضور القمة الإفريقية المقرر عقدها في طرابلس. استقبلني الملك في قصره بحضور وزير خارجيته واثنين من مستشاريه. قال لي قبل أن تتسلم رسالتك أحب أن أسمعك شريطا. وبدون مقدمات كان جهاز التسجيل يعلن انطلاقة الشريط الصوتي، وإذ هو عبارة عن تعليق في الإذاعة الليبية تضمن ألفاظا بذيئة ضد الملك ومواقفه. صدم الحاضرون من الجانب المغربي، لكن الملك كان يهدئهم، ويقول لهم رجاء انتظروا هناك ما هو أفظع”.
وأضاف ساردا تفاصيل الواقعة “مباشرة بعد ذلك عقدت جلسة طويلة مع العاهل المغربي امتدت من الثامنة مساء حتى الثانية صباحا. في نهاية الجلسة قال الملك ما رأيك يا علي أن نقوم نحن الرجعيون بتعيين شخص وتقومون أنتم كتقدميين بتعيين شخص ويكون الحوار بينهما. سألته من ترشح فسمى مسؤولا مقربا من الرئيس الشاذلي بن جديد. وسألني من نرشح فأوردت اسم العراقي سعدون حمادي؛ فقال نحن نحسب سعدون معنا، أي مع الرجعيين!”.
بعد ست ساعات من النقاش حول العلاقات العربية والصراع الخفي والظاهر بين القذافي والحسن الثاني، اقتنع الموفد الليبي بدفوعات الملك، وقبل أن يخلد للنوم دون ملاحظاته في تقرير مطول قرر عرضه على القذافي فور العودة إلى طرابلس.