الرباط ـ أميمة حدري
لا تزال أسعار كثير من المنتجات الفلاحية وغيرها من المواد الأساسية تلهب جيوب المغاربة وتمس بقدرتهم الشرائية وهو الشيء الذي دفع كثيرا من الأسر إلى فرض تغيير حاسم على نمط معيشتها. وجعل كثيرا من هذه المواد تختفي من فوق مائدة المغاربة الذين يعتبرون الضحية لأولى لعدة متدخلين ساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا الارتفاع.
وبحسب محمد بنقدور الرئيس المؤسس للجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك فإن الجفاف وحده لم يكن السبب بل تدخلت عدة جهات لتشكل عاملا سلبيا في رفع كثير من المنتجات وتلاعبت أيضا بأسعار المحروقات.
وسجلت أسعار الخضر والفواكه في الأسواق المغربية، زيادات جديدة خلال الأيام الأخيرة، تزامنا مع ارتفاع أسعار المحروقات، ما أثار استياء وغضب فئات اجتماعية واسعة أثر بشكل ملموس على التوازن المالي للأسر ومس قدرتها الشرائية.
هل هناك تأثير للظروف المناخية وتوالي سنوات الجفاف على الإنتاج الزراعي بالمغرب وهل هذا هو العامل الحقيقي في ارتفاع أسعار الخضر والفواكه؟
1ـ الظروف المناخية بطبيعة لها تأثير مباشر على الانتاج والمردودية، لكنها ليست العامل الوحيد الذي ساهم في غلاء الأسعار، هناك أيضا تكلفة الإنتاج الفلاحي التي ارتفعت. خاصة وأن هذا النوع من الفلاحة يعتمد على 30 في المائة من المياه. ونحن نعلم أن المياه الجوفية تحتاج إلى طاقة لكي يتم استخراجها، وهذا ما يعيق هذه العملية بالنظر لارتفاع أسعار المحروقات إلى الضعف ومع الأسف يحز في النفس أن نقول أن هناك تواطؤ لاستهداف جيوب المغاربة في ما يخص أسعار المحروقات.
كما أن هناك أيضا إشكال آخر وهو التوجه السياسي للإنتاج الفلاحي، ففي الوقت الذي كان موجها للاكتفاء الذاتي، هناك زراعات اعتمدت في الغالب على التصدير إلى الخارج.
وفعلا هناك مجموعة من الزراعات التي أصبحت تصدر إلى خارج المملكة، وبالتالي كان هذا سببا مصاعفا في تسجيل ارتفاع أثمنة المنتوجات الفلاحية.
وبالإضافة لكل هذه العوامل هناك أيضا عامل آخر وهذا ما أكدته اللجنة الاستطلاعية للبرلمان وأقصد هنا الوسطاء الذي يساهمون بنسبة 50 أو 60 في المائة في ارتفاع الأسعار، بحيث أن الفلاح يبيع المنتوج بثمن لكن هذه الفئة تُضاعف الثمن ما ينتج عنه ارتفاع في أسعار المنتوجات الفلاحية.
ولا يمكن أن نغفل أيضا سلسلة الإنتاج بحيث أن هناك مجموعة من البضائع التي تتعرض للتلف وللحفاظ عليها من لحظة جنيها وحتى وصولها إلى المستهلك، هذا يتطلب وضع سلسلة التبريد لحفظ المنتجات الفلاحية حتى نتمكن من ربح 30 في المائة على الأقل من المنتجات الفلاحية التي تتعرض للتلف.
بالحديث عن الإجراءات الحكومية لمواجهة هذا الارتفاع هل هناك من تعديلات في السياسات الزراعية في المغرب والتي من شأنها أن تعمل على خفض أسعار المنتجات الفلاحية؟
فعلا بعد السنة الأخيرة كان الملك محمد السادس قد وجه للحكومة بتعليمات سامية تهم تخصيص ميزانية كبيرة لتوفير مياه السقي لمواجهة أثار الجفاف.
لكن ومع الأسف لاحظنا أن الحكومة تعطي الدعم دون شروط مسبقة، وهذا تمثل جليا في دعم استيراد رؤوس الماشية، دون أن نسجل انخفاضا في أثمنة اللحوم التي ظلت كما هي. في وقت كان يجب على الحكومة فيه أن تلزم الفئة المستفيدة من هذا الدعم المالي، بخفض سعر هذه المادة من 100 درهم إلى 70 أو 80 درهما. ليكون المستفيد الحقيقي هم الذين استفادوا من الدعم المالي دون إعطاء أي اعتبار للمستهلك الذي لم يستفد شيئا.
في السابق كنا نحقق الاكتفاء الذاتي من خلال القمح والشعير بصفة عامة، الآن ومع الأسف وجهنا سياستنا لإنتاج مواد فلاحية مستهلكة للماء، مثل البطيخ الأحمر والأفوكادو والطماطم أيضا، ومع الأسف فإن غالبية هذه المنتوجات تصدر نحو الخارج، لأن الدول الأخرى فضلت استيرادها بدل إنتاجها حتى لا تستنزف ثرواتها المائية.
ومن هنا يتضح أن كبار الفلاحين الذين استفادوا من المخطط الأخضر كانوا يتوجهون نحو السوق الخارجية.
ما المطلوب اليوم من الحكومة حتى تعود الأسعار إلى سابق عهدها أو الأقل العمل على تخفيضها وما هي الحلول التي تقترحونها؟
انطلاقا من تحليل الوضعية التي سبق لي وذكرتها، أولا يجب على الدولة أن تضع حدا لعمل الوسطاء والقضاء عليه لما له من تداعيات على تحقيق التوازن بين العرض والطلب وبالتالي يساهمون في رفع الأسعار.
ثانيا أن يكون هناك دور حاسم لمجلس المنافسة في مراقبة مجموعة من القطاعات وسن العقوبات في حق المتلاعبين والمتجاوزين خصوصا وأن المجلس أصبح له دور تقريري.
ثانيا أن تكون هناك منافسة حقيقية في مايخص المنتوجات الغازية، خاصة وأننا لاحظنا مع الأسف تواطؤ شركات وطنية مع شركات دولية خارجية، تعمل على استنزاف جيوب المغاربة مباشرة عن طريق الاستهلاك المباشر أو عن طريق الفلاحة.
ثالثا يجب تقنين الدعم الذي تمنحه الدولة لكبار الفلاحين وأن تضع له شروطا مناسبة.
وكذلك أن تقلل الدولة من عمليات تصدير منتوجات نحن في أمس الحاجة لها دون التحجج بعبارة ” جلب العملة الصعبة” حتى نحقق الأمن الغذائي والاجتماعي لجميع المغاربة وأن يرتبط تصدير المنتوجات بأسعارها داخل السوق المحلي.