24ساعة ـ متابعة
على غرار كل ربوع الوطن وبحكم الموقع الجغرافي للمملكة, ظلت منطقة الريف بالشمال المغربي محط أطماع أجنبية وأمبريالية. لكن ساكنتها كانت لها بالمرصاد بفضل رجالاتها ومقاوميها من مثال محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي قاد ثورة لا نظير لها في العالم ضد الاستعمار الاسباني جسدت التلاحم بين المغاربة.
ولتسليط الضوء على هذه المقاومة الوطنية, تقدم جريدة “24 ساعة ” لقرائها بمناسبة شهر رمضان الأبرك فصولا من تلك المعارك الجهادية وتأثيراتها وهي مستقاة من من كتاب ” محمد بن عبد الكريم الخطابي من القبيلة الى الوطن” لمؤلفه الاعلامي ووزير الاتصال الراحل محمد العربي المساري والصادر سنة 2012 عن المركز الثقافي العربي, والذي يجيب عن ” بعض التشويش الفكري الذي يصاحب اليوم المسألة الريفية برمتها. وكما يقول فانه “في زمن الوسوسة بالنعرات يجب أن نستمع الى صوت الخطابي وهو يدعو الى الارتقاء بفكرنا السياسي من نطاق الجزء الى مستوى الكل. من الاقليمية الانعزالية الى أفق الوطن الذي يستوعب الجميع, والذي لا غنى فيه عن أحد” / ص:8/.
الحلقة الثالثة :
حرب الريف جزء من مشروع وطني
أدبيات حرب الريف كثيرة, وهي أعطت انتاجا جديدا هو أسلوب حرب التحرير الشعبية بالمفهوم الحديث. فمند 1909وهو تاريخ أول نزول كثيف لجيش استعماري في الارض المغربية تمهيدا لفرض الحماية الى 1934 وهو تاريخ انتهاء حروب الاخضاع التي شنها الفرنسيون والاسبان, كانت كل المعارك التي جرت لرد هجوم جيش يغزو, لكن الحبر التي خاضها الخطابي تميزت بأنها عملية مبيتة وراءها تخطيط … وكانت جزءا من مشروع وطني .
لقد طورت الثورة المصطلح السياسي المغربي بشكل فريد. يدل عليه البناء الداخلي للثورة, ونموذج العلاقات السائدة بين الفئات المكونة لها, ومن تم لابد من دراسة التنظيمات والمؤسسات التي أتت بها الثورة. وهذا عمل طموح لم يقل بشأنه كل شيء.
وتوخى العربي المساري تتبع مسار الثورة من يوم أن كانت فكرة مجموعة من الرجال المتقاربين في العاطفة والانتماء, الى ان عمت القبائل المجاورة لبني ورياغل ثم الريف كله, الى ان شملت قبائل غمارة وجبالة في الشمال الغربي وفي جنوب ورغة. ومن خلال ذلك نلمس ان الثورة ارتفعت بالتفكير السياسي المغربي من مستوى القبيلة الى أفق الوطن. وهذا شيء يحدث لأول مرة في تاريخنا,حسب المساري.
ومن خلال ذلك بدأ يتبلور مفهوم محمل بعطاءات فكرية متجددة جعلت له مع الأيام محتوى يرتبط بالعقيدة, ويحيل على الشعور بالانتماء الى كيان جغرافي محدد , ويعني التشبع بذكريات من الماضي القريب والبعيد وتشترك فيه جماعات واسعة. وكان عبد الله كنون قد أورد في “أحاديث عن الأدب المغربي الحديث” نص خطبة سياسية للأمير الخطابي في الصفحة 60 طبعة الدار البيضاء يتضمن بعضا من أشار اليه المساري.
وقد كان المفهوم متداولا عند المثقفين في العشرينيات كما يتضح من وثيقة فكرية مؤسسة هي كتاب ” ضرب الحصار” لمحمد اليمني الناصري المنشور سنة 1927 سواء في ما كبته المؤلف نفسه أو في ما كتبه المقرضون لذلك المصنف ومنهم المهندس عمر بن عبد الجليل, حيث وردت كلمة الوطن والوطنية بمعان هي التي وحدت الشبيبة في عمل جماعي من طراز جديد.
ويضيف العربي المساري أن الثورة التي قادها الخطابي تجسدت الشخصية المغربية في الثورة التي قادها الخطابي في تكامليتها . ذلك أن انصهار العرب والأمازيغ في فعل ثوري موحد قد جسم الوحدة المغربية دائما طيلة مدة لا تقل عن عشرة قرون. وما كان ذلك الا تعبيرا ملموسا عن العبقرية المغربية المتجلية في الوحدة في التنوع, وفي نمط خاص للبناء والطبخ والخط والابداع من الموسيقى الى الطرز. وليس صدفة أن أجدادنا اختاروا المذهب المالكي. وليس شيئا بلا معنى أن القاضي بن عبد الكريم الخطابي قد قاد جموعا من اهل الريف وجبالة, وهو الريفي الذي يتصل نسبه بعمر بن الخطاب أي العربي الذي تبربر, والمغربي الذي يشكل خلاصة متينة للالتحام. فأين ينتهي ما هو أمازيغي ليبدأ ما هو عربي. فكيف تقوم هذه المعادلة المتينة؟ . ان سؤالا من هذا القبيل قد قاد الى تمرين عويص خاض فيه مهندسو السياسة الأهلية في كل من الرباط وتطوان لمدة أربعين سنة , وما زالوا بالمرصاد.
لم يقم الخطابي بمجرد حرب دفاعية بل حلول بناء هيكل جديد للدولة, وبث الروح في مجتمع كان متعطشا لفكر النهضة الذي يبشر بالدخول الى العصر بروح جديدة مع التسلح بالتوابث التي يحضنها المجتمع.
كان ذلك بشيرا بفكر وطني جديد ينزع الى بناء جزلة من نمط جديد. وهو ما طمحت اليه الحركة الوطنية التي استلهمت من حركة الخطابي روح المقاومة, لتبني هيكلا جديدا وصولا الى حكم وطني عصري, يكون هو البديل للنظام الاستعماري وأيضا للمغرب المتخلف الذي سقط في براثن الاستعمار, وكان هذا وذاك استمرار لما تطلعت اليه النخبة منذ ختام القرن التاسع عشر وخاصة منذ حركة الدستوريين في اوائل القرن العشرين, ومن تتبع كل تلك التفاعلات نعثر على الخميرة التي كونت فيما بعد ما سمي بالحركة الوطنية المغربية.