24 ساعة-متابعة
على غرار كل ربوع الوطن وبحكم الموقع الجغرافي للمملكة, ظلت منطقة الريف بالشمال المغربي محط أطماع أجنبية وأمبريالية. لكن ساكنتها كانت لها بالمرصاد بفضل رجالاتها ومقاوميها من مثال محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي قاد ثورة لا نظير لها في العالم ضد الاستعمار الاسباني جسدت التلاحم بين المغاربة.
ولتسليط الضوء على هذه المقاومة الوطنية, تقدم جريدة “24 ساعة ” لقرائها بمناسبة شهر رمضان الأبرك فصولا من تلك المعارك الجهادية وتأثيراتها وهي مستقاة من من كتاب ” محمد بن عبد الكريم الخطابي من القبيلة الى الوطن” لمؤلفه الاعلامي ووزير الاتصال الراحل محمد العربي المساري والصادر سنة 2012 عن المركز الثقافي العربي, والذي يجيب عن ” بعض التشويش الفكري الذي يصاحب اليوم المسألة الريفية برمتها. وكما يقول فانه “في زمن الوسوسة بالنعرات يجب أن نستمع الى صوت الخطابي وهو يدعو الى الارتقاء بفكرنا السياسي من نطاق الجزء الى مستوى الكل. من الاقليمية الانعزالية الى أفق الوطن الذي يستوعب الجميع, والذي لا غنى فيه عن أحد” / ص:8/.
الحلقة الرابعة عشر : قبائل غمارة تلتحق بقبائل الريف في عمل جهادي موحد
وكان المرحوم إدريس الخطابي قد أبلغني كتابة تدقيق مفاده أنه على إثر ملحمة أنوال بثلاث أيام، في 18 ذي القعدة 1339 موافق 24 تموز/ يوليو 1921، وصل إلى الأمير وفد برئاسة عبد الهادي مغوز وحمو العيساوي يمثل قبائل غمارة المتاخمة للريف الأوسط وهي متيوة البحر، وبني سميح، وبني رزين، وبني خالد. وطلب هذا الوفد فتح جبهة شرقية ضد الإسبان، فوافق وبعث شقيقه يوم 23 صفر عام 1340 موافق 26 تشرين الأول /أكتوبر 1921 وتوغل في تخوم غمارة الغربية، ورحب به الزعماء المحليون، ولكن تدخل الكومانضانطي كاباث المراقب في المنطقة وأحمد الريسوني حال دون حدوث الانضمام على الرغم من جهود ومحاولات نصف سنة، ولو أن روح ثورة التحرير تمكنت من سكان المنطقة. وأما المرحلة الثانية فابتدأت يوم 22 شوال 1341 موافق 7 تموز/ يوليو 1923، حيث انضم الريف الغربي كله (جبالة)، بفضل نشاط المجاهد احريرو وزعماء غمارة أمثال مغوز والعيساوي.
أما صاحب “الظل الوريف” فإنه يركز الكلام عن المرحلة الثانية، ويقول إنه حينما عاد السيد امحمد من مهمة كلفه بها شقيقه في فرنسا دامت ثمانية شهور، (انتهت في تموز/ يوليو 1923) تم توجيهه إلى المنطقة الغربية لاستكمال الحلقات الجهادية. ويذكر السكيرج أن التوجه نحو غمارة كان مسبوقا بمبادرة ملغومة قام بها أحد أعيان المنطقة الغربية وهو “المسمى” – على حد قول السكيرج – حمو بن العيساوي الريفي المتيوي الذي شخص إلى أجدير طالبا توجيه محلة إلى غمارة، وتعهد بالتكفل بمؤونة المجاهدين. وتبين (ص 151 ، الظل) أن الرجل إنما كان يروم التمكين لنفوذه الشخصي في قبيلته، الاستقواء بالمحلة المكونة من المجاهدين التي قد تصحبه.
وفي النهاية تقرر في 1923 توسيع عمل الثورة غربا، بواسطة قرار لنا أن نفهم أنه تم اتخاذه عبر قنوات اتخاذ القرار الجهادي، فتحرك المجاهدون في قوة بلغت نحو 600 مقاتل، جلهم من بني ورياغل، وعبروا كلا من بني يطفت وبني بويفراح ومسطاسة ومتيوة الريف. ويمكن أن نفهم من ذكر هذه المواقع أن هذه الناحية كلها كانت قد أصبحت في معسكر المجاهدين، ولهذا عبرتها محلتهم باطمئنان. وحل المجاهدون في تراب غمارة عابرين كلا من بني رزين وبني سميح وبني كرير وبني بوزرا، وأقاموا في قبيلة بني رزين وبني سميح وبني كرير بوزرا، وأقاموا في قبيلة بني زيات، وشرعوا في مناولة البارود مع العدو على شاطئ تيكيساس. ودقق السكيرج القول فبين أنه لم يحضر في الجهاد من أخماس غمارة إلا قليل (ص 151، الظل).
ويهمنا من هذا أن نسجل أن حلول المجاهدين في غمارة يجسم المدى الجغرافي الجديد الذي أصبح لحركتهم، حيث لم يبق الريف وحده مسرحا لعملياتهم الجهادية. وهذا ما نقوم في هذا البحث باستقصائه وتتبع تطوره، باعتباره أفضل ثمرات الحركة الخطابية، أي انتقال المفهوم السياسي من نطاق القبيلة إلى أفق الوطن. ثم إن التحرك في اتجاه ضم قبائل غمارة إلى قبائل الريف في عمل جهادي موحد، هو طريق إلى استشراق الشق الغربي لسلسلة جبال الريف الذي تسكنه قبائل جبالة. وفي نهاية الأمر ستتم خطوة حاسمة وهي تحقق وحدة المجاهدين بغض النظر عن الحساسيات القبلية العميقة الغور. وهذا مسلسل متدرج بدأ بتذويب الشحناء التي كانت مستحكمة في ما بين القبائل الريفية نفسها، وتوج بتلاشي الحساسيات المعقدة بين قبائل الريف وغمارة وجبالة فتوحد الجميع في نهاية الأمر تحت راية الجهاد.
ولم يكن الوضع في غمارة سليما بسبب نفوذ الطريقة الدرقاوية، ذلك أن التطور الحاصل في الأوضاع ينطوي على مس بنفوذ زعمائها. وقد صدرت الأوامر من زعيم الزاوية المذكورة إلى أنصاره تحثهم على منع بيع الخبز للمجاهدين الذين كانوا من بني ورياغل في غالبيتهم. وإلى أن اقتنعت بعض الفئات الغمارية