24ساعة ـ متابعة
على غرار كل ربوع الوطن وبحكم الموقع الجغرافي للمملكة, ظلت منطقة الريف بالشمال المغربي محط أطماع أجنبية وأمبريالية. لكن ساكنتها كانت لها بالمرصاد بفضل رجالاتها ومقاوميها من مثال محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي قاد ثورة لا نظير لها في العالم ضد الاستعمار الاسباني جسدت التلاحم بين المغاربة.
ولتسليط الضوء على هذه المقاومة الوطنية, تقدم جريدة “24 ساعة ” لقرائها بمناسبة شهر رمضان الأبرك فصولا من تلك المعارك الجهادية وتأثيراتها وهي مستقاة من من كتاب ” محمد بن عبد الكريم الخطابي من القبيلة الى الوطن” لمؤلفه الاعلامي ووزير الاتصال الراحل محمد العربي المساري والصادر سنة 2012 عن المركز الثقافي العربي, والذي يجيب عن ” بعض التشويش الفكري الذي يصاحب اليوم المسألة الريفية برمتها. وكما يقول فانه “في زمن الوسوسة بالنعرات يجب أن نستمع الى صوت الخطابي وهو يدعو الى الارتقاء بفكرنا السياسي من نطاق الجزء الى مستوى الكل. من الاقليمية الانعزالية الى أفق الوطن الذي يستوعب الجميع, والذي لا غنى فيه عن أحد” / ص:8/.
الحلقة التاسعة عشر : الريسوني يشعل فتنة الأخماس
…فيما كان الاستبشار يعم المسلمين ب “الدخول في حماية الإسلام” ، كما جاء في المخطوط الشاوني، كان هناك من أحس بأن الحدث كان يجلب له شؤما. وهنا أترك الكلام من جديد إلى العمرتي الذي لا يخفي أسفله للمصير الذي آلت إليه الأمور، إذ يقول : “وبعد ذ لك (دخول قوات المجاهدين إلى الشاون) استقر الأمر، واشتدت المرابطة على الجهاد، فوقعت حلة وخونة في قبيلة الأخماس مع السلطان، فدارت عليهم القبائل وجيوش السلطان من كل ناحية وزعموا عليهم من كل جانب، فأحرقوا غالبهم ونهبوا ما كان عندهم من الذخائر والحوائج، والزرع والخريف والكسب والبقر والدواب، حتى سمعنا ممن كان قبلنا من أكابر السن، أنهم لم يسمعوا مثل هذه الوقعة التي جرت للأخماس في طرفة عين، حيث احترقت غالبها من كل جانب، وكان ذلك يوم الإثنين 19 جمادى 2 سنة 1343 (موافق 15 يناير 1925 ) فزادت القبائل على ما كانت عليه من الطاعة للسلطان ثم توجهت الجيوش إلى زاوية سيدي يوسف أنكيدي والأخماس”.
حدث ذلك بعد حوالي شهرين من تحرير شفشاون. وهي من الحالات التي عهدنا من الأمير أنه يستعمل فيها النصح، لمحاولة تلافي المعارك الجانبية. والحال أن مسؤوليات الثورة قد زادت، بأن تضاعفت ثلاث مرات مساحة الأرض التي هي تحت سيطرة المجاهدين. وكانت الثورة وهي في سنتها الخامسة قد راكمت العبر، وهو ما أملى على القيادة أن تستعمل الصرامة، فتقرر ضرب القوى المضادة في أقصى الجبهة الغربية وبعد حوالي شهرين استعمال المنطق نفسه مع قوات الدرقاوي في تمجوطت.
وتحدث “الظل الوريف” عن فتنة الأخماس بقوله: (ص 248): “ولم يزل المجاهدين قائمين في وجوه أعدائهم في تلك النواحي (الجبهة الغربية ) في نشاط، حتى قامت قبائل الأخماس في التشويش على المجاهدين بإيقاد الشريف الريسوني نيران الفتنة بين الجميع … وقد تحقق تداخل الريسوني المذكور بكتبه التي وزعها على القبيلة المذكورة وإمداد الإسبان له بالمدد والعدد. وكانت فكرة السيد امحمد (الخطابي) هي الإعراض عن الريسوني وعدم الالتفات إلى ما يشوش به على المجاهدين، وقد استحسن نظره الأمير، حيث تخابر معه بالتلفون. وأقاموا (السيد امحمد وقواته) في بني حسان شهرين. وفي تلك المدة خرج باشا الشاون إلى مدشر الخزاين للمفاوضة مع بعض الأعيان من الأخماس فألقوا عليه القبض وجاءوا به إلى الشريف الريسوني فسجنه عنده في بني عروس بتازروت. وحاصرت الأخماس القائد العياشي وأمرته بطرح السلاح فامتنع . ولما علم السيد امحمد بالخبر أمر اخريرو بجمع العسكر لإغاثة المجاهدين، فتوجه بنحو 500 كما توجه بن سعيد (القائد الذي عينته الثورة على بني حسان ) وولد الفرقة (قائد بني سعيد) إلى الخزاين لنحو 600 فانقذوا العياشي. وتفرقت القبيلة المذكورة، وتوجه القائدان المذكوران إلى بني عروس وأوقدوا النيران في وسطها، ودارت رحى الحرب، وحضر لإعانتهم القائد اليزيد صحبة 200 ، والقائد محمد بن عمر حميش ومعه 300 عسكري. فكانت الغلبة على الريسوني فأسروه مع ابن أخيه المسمى مولاي علي وصهره محمد الزلال. واستولوا على جميع ما وجدوه لديه من العدة والذخائر الحربية الكثيرة، وأطلقوا سراح الباشا بنينو الذي كان في السجن مقيدا بالسلاسل والأغلال ووجهوا الجميع إلى الشاون”.
المواجهة مع الريسوني
وهكذا فإن الصدام بين المجاهدين والريسوني لم يمكن تلافيه. فتوجهت قوات مؤلفة في غالبها من رجال المنطقة الجبلية تصحبهم عناصر من الريف ونزلوا بجزء هام من ثقلهم العسكري في معركة أرادوها فاصلة مع الريسوني، شارك فيها حسب أزرقان حوالي ألفي رجل، وهو جيش كثيف لا يتقرر حشده إلا للمعارك الكبرى.
يسجل وولمان من جانبه أن بن عبد الكريم اتصل عدة مرات كتابةً بالريسوني، في بداية أيار/ مايو 1922. كان الإسبان قد وضعوا أيديهم على معسكر الريسوني بعد معارك كلفتهم إحداها فقدان واحد من ألمع قادتهم العسكريين وهو غونثالث طابلاس. ولاذ الريسوني بجبل بوهاشم حتى لا يقع في الأسر. وكانت كل الطرق مقفلة في وجهه باستثناء جهة الشرق المؤدية إلى غمارة والريف. وكان عليه أن يختار بين أن يستسلم للإسبانيين أو أن ينضم إلى بن عبد الكريم، لكنه كان يكره هذا الأخير، لأنه كان يرى فيه منافساً، وكان يطعن في جدارته للرياسة. وفضل أن يتابع مضايقة إسبانيا إلى أن يصل معها إلى اتفاق.